عبد العزيز الصقعبي
إلى:..
تمتد المسافات بيننا.. تبتعدين.. كنت كبيرة وكنت صغيراً.. امسكتِ بيدي ذات صباح، ورافقتك إلى بيت يقع آخر الشارع بعيداً قليلاً عن بيتنا وبيتك، أنا رجل، شعرت حينها، وأنا أرافقك لأحميك، لتصلي بأمان، عدت وحيداً بعد أن دخلتِ البيت الطيني الصغير، سمعتك تقولين عد إلى بيتكم، ابتسمتِ وأنت تزيلين غطاء وجهك عندما فتح الباب لتستقبلك فتاة أخرى بعمرك، انتهت مهمة ابن الجيران، الذي رافق فتاة تكبره ربما بعشر سنوات، مشهد قد لا يكون غريباً، فتاة مع أخيها الصغير يسيران في شارع ترابي على جوانبه بيوت صغيرة وعدد من الدكاكين الصغيرة، ورجال ونساء يمشون باتجاهات مختلفة، وأطفال يلعبون، كنتِ وحيدة والديك، لا اخوة ولا أخوات، وكنتِ صديقة مقربة لأختي الكبيرة، وعلاقتك مع بقية أخواتي جيدة، لذا فقد تحدثتُ مع أخواتي حال عودتي عن طلب مرافقتك إلى ذلك البيت، حين سرت معك لأحميك، لم أعرف وقتها، أن هنالك شيئاً يدعى تحرّش، وهنالك رجال تلفت انتباههم المرأة إذا كانت تسير وحيدة في الشارع، أنت كنتِ تعين ذلك، وكنتُ المنقذ، عندما غادرت بيتك لاحظت أنني كنت أقف عند باب بيتنا، أمسكت بدي وطلبتِ مرافقتك.
أردتُ الخروج من دائرة الأخوات والأقارب، لتكوني صديقتي، كنت معجباً بك، فتاة مرفهة قليلاً، تسكن بيتاً كبيراً مع والديها، لديهم عاملة منزلية، ووالدها لديه سيارة صغيرة، ونحن أسرة كبيرة في بيت أصغر، بدون عاملة منزلية ولا سيارة، لا مجال للمقارنة، لأنني وقتها لا أعي ذلك أيضاً، ولكن أعرف أنك ابنة الجيران صديقة أختي الكبرى، لذا كنت أنتظر من تلك الأخت أن تخبريها بشعورك عندما رافقتك في ذلك لمشوار القصير وأنت ممسكة بيدي، كانت يدك ناعمة، ورائحتها زكية، كنتِ مختلفة عن بنات حينا الشعبي، كنتِ في المكان الخطأ، لا يشبهك أحد، ولكن ربما هذا حظي وحظ أختي الكبيرة أن يكون لها صديقة مثلك، كنتُ أمشي مزهوا وأنتِ ممسكة بيدي، صبية الحي ينظرون لي بحسد، وربما هنالك أكثر من شخص يتمنى لو كان في مكاني، وصدقيني إنني كنت لا أعي ذلك، أنا أمشي معك، مع ابنة جيراننا الأثرياء، مع أجمل فتاة بالحي، سمعت من يقول إنك جميلة، هل بقي هذا لجمال، بعد هذه السنوات، وهل تتذكرين ذلك الصبي الصغير ابن السبع سنوات الذي أمسكتِ بيده ليرافقك إلى بيت أقرباء لك، ربما، في نهاية الشارع، على بعد خمسمائة متر، أو أكثر قليلا، لأنني عندما عدتُ وكنت أعدو، شعرت بالتعب قليلا عندما وصلت إلى بيتنا، كنتُ أشعر بالأمان عندما كنت مرافقاً لك، وكنت أتمنى لو بقيت معك حتى نعود سوياً، إلى بيتي وبيتك، بكل تأكيد لن تذكري، وحتى ذلك المشوار لم يتكرر، حتماً ذلك الصبي الصغير غادر ذاكرتك، قد تتذكرين أختي التي لم أجرؤ أن أسألها عنك عندما كبرتُ وتذكرتك، أختي الآن ليست أما فقط بل جدّة، لو سألتها ستقول ما سبب تذكرك لها، لماذا لم تسأل عن والديها، هل أقول كانت يدها اليسرى ممسكة بيدي اليمنى وأبقت بها كثيراً من رائحتها، أجل رائحة جميلة بقيت في يدي الصغيرة بعد أن تركتِها، ودخلتِ البيت بعد أن أمرتني أن أعود لبيتنا، حتماً لن تتذكري هذه الحادثة، ومن غير المنطق أن يحب طفل فتاة أكبر منه بعشر سنوات، ولكن فعلاً أنت أول امرأة غريبة عني تمسك بيدي، وأول امرأة أشعرت ذلك الطفل أنه رجل، بإمكانه ممارسة حماية من يطلب منه ذلك، لذا ربما أقول.. شكراً لك على ذلك المشوار، وها أنا أكتب عن طفل صغير رافق ابنة الجيران بمشوار صغير كانت ممسكة بيده، وكان هو يكبر دون أن يشعر.