المرأة بشكل عام قويّة قادرة على إعطاء تصوّر لمن هم حَوْلها بأنها سيدة كل المواقف، حتى في آلمها قويّة، وتكمن قوّتها في تلك العاطفة المحرّكة لعقلها وتصرّفاتها، فالجاهل من يعتقد أن عاطفتها جانب ضعف لديها بل على العكس تماماً، فهي محرّكها وكذلك صمّام الأمان لها، ولا توجد امرأة في الدنيا ضعيفة سوى التي تجرّدت من عاطفتها وحتى هذه لا أظنّ أنها ستستطيع العيش بيننا، ولا أعني -بالتأكيد- القوّة الجسديّة إنما هي قويّة برقّتِها، بِخُلُقها، بعاطفتها، بدينها، بإيمانها بنفسها، وبكلِّ ما ملكت. فإذا ملكت كل ذلك وتسلّحت به، فكيف سينالها الضعف؟ لذلك تجدها دائمة التبرير أو بمعنى أدق دائمة التصحيح لهذا التصوّر المُجحِف بحقّها، فهي لا تقبل أن تكون الحَلَقة الأضعف في نظر الآخر. ولربما في مجتمعات عدة ظلت تتوارث لقرون طويلة فكرة أن المرأة حَبيسة اثنين (بيت زوجها، أو قبرها) ولهذا تأثّرت بهذا الفكر العقيم، ولكن في المقابل كان هناك ردّ فعل إيجابي من بعضهنّ، فخرجت من تلك المجتمعات بصورة تليق بها وتستحقّها غير تلك التي تشكّلت ذهنيًا من عادات لا أصل لها، ومن منطلق الأمومة والعاطفة والألم برزت وأثبتت قدرتها التي قد تفوق قدرة الرجل أحياناً في بعض المجالات، فبإنجازاتها وضعت لها بصمة لا يمكن أن تُمحى.
وأعظم ما يميز المرأة هي كونها مسؤولة عن كل لقب تحمله (أم، أخت، ابنة، زوجة، عاملة، دارسة، مفكّرة ...إلخ)، وقد تقلدت مناصب عُليا ومع هذا لم يؤثّر ذلك في بيتها وأمومتها، فلو كانت المرأة تنظر لدورها كأم نظرة دونيّة، لما وجدناها وصلت إلى ما وصلت إليه الآن محققة دورها داخل البيت وخارجه، متفادية أي قصور يُوقف مسيرتها وعطاءها. وأعود إلى ما ذكرت بأن باستطاعة المرأة أن تتحرّر من كل ما وُصمت به في السابق، وهي أمام أمريْن: فإما أن تصمد وتدافع عن نفسها بكل ما أُتيت من قوّة، وإمّا أن تتجاهل وتمضي قُدمًا. وليس ذلك من الضعف في شيء، إنما رغبةً منها في عدم الالتفات إلى كل ما من شأنه عرقلة سيرها وتثبيطها.
وإنني لأعزي السبب الرئيس حول تأطير المرأة قبل نظرة المجتمع ولسانه إلى حياؤها ووعيها ورقيها الذي يجعلها تتورع من إيراد مصطلحات تمسها كامرأة كالولادة، والألم المعتاد، وغيرها؛ فهذه المصطلحات والمعاني في كتاباتها إنما هي في حديثها أو كتابتها عن نفسها تستدر العطف، وتسعى لنيله إلّا إذا استدعى سياق النّص ذلك المعنى، وإن أوردته فهي تورده من وراء حجاب، وإن كتبته في موقف القوة لن يزيدها غير بريق ولمعان، والكاتبة السعوديّة أكثر وعياً من أن تتأثّر بنظرة المجتمع ولسانه، ولعل أكثر ما قد يدفعها لكتابة أدق التفاصيل حتى وإن اضطرت لذلك سببه كثرة ما يساورها من شعور فضولي لتعرف كيف يراها الآخر؟ وكيف يمكنه أن يصف شعوراً لم يسبق له أن عاشه؟! بل كيف لهذا الآخر أن يرسمه من خلال ما سمع عنه، فتظل هي تتأمّل هذه الرسمة، علّها تعرف من خلالها إلى أي مدى يستطيع الآخر الشعور بها، وبما تمرّ به من آلام أو مخاض.
وفي كل رسمة تتأمّلها تعرف ويزيد يقينها أنها صورة لا يمكن أن ترسِم واقع شعورها الحقيقي، ولكن جَعَلَت للرجل فرصة التعبير عنها، متخذاً صورة المرأة في حياته أداةً يُحدّد بها ملامح الشعور، وحدود الألم، وإن قَصُر عن ذلك فلا بأس، يكفي أنه عبّر عنها وشعر بها.
أخيراً: تحيّة وشكر وامتنان لكل امرأة في هذه الحياة أياً كان دورها. ثمّ الشكر كل الشكر لكم مجلة «الجزيرة الثقافية» على هذه الفرصّة اللطيفة، التي تمكّنت من الحديث فيها بالنيابة عن بنات جنسي، وجِلدتي، مع عرفاني بالقصور، إلّا أنّ جُلَّ ما أرجوه هو ألّا تقرأ إحداهنّ حروفي إلّا وابتسمت اعتزازاً، وفَخراً بنفسها.
** **
- د. أماني بادغيش