د. عبدالحق عزوزي
بعد التعتيم الذي طبع الفترة الرئاسية السابقة لدونالد ترامب على السلاح النووي الأمريكي، كشفت الإدارة الأمريكية مؤخرًا ولأول مرة منذ أربع سنوات، مخزون بلادها من الرؤوس النووية. وقالت إنه في 30 سبتمبر/ أيلول 2020، كان الجيش الأمريكي يمتلك 3750 رأسًا نوويًا مفعلاً أو غير مفعل، أي أقل بـ55 رأسًا عن العام السابق. ويأتي الكشف عن هذه الأرقام في سياق الإدارة الحالية لاستئناف المحادثات مع روسيا بشأن مراقبة الأسلحة. وكان ترامب سحب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني ومعاهدة القوات النووية متوسطة المدى مع روسيا، كما انسحب أيضًا من معاهدة ستارت مع موسكو العام الماضي.
ومنذ وصوله إلى عرش البيت الأبيض، في كانون الثاني/يناير، سارع الرئيس الديموقراطي إلى العودة إلى بعض الاتفاقيات والمؤسسات الدولية، ومن بينها اتفاقية باريس حول المناخ ومنظمة الصحة العالمية، وكذلك إلى المفاوضات الصعبة للعودة إلى الاتفاق حول النووي الإيراني.
ونحن نعلم أن الولايات المتحدة الأمريكية تخلت عن اتفاقية باريس حول المناخ أواخر العام الماضي بناءً على أوامر الرئيس السابق دونالد ترامب؛ وأمضى هذا الأخير معظم وقته في المنصب في إضعاف العديد من حواجز الحماية البيئية والمناخية في البلاد. ولكن الإدارة الحالية ترى أن هاته الاتفاقية هي إطار عمل غير مسبوق للعمل العالمي. والغرض منه بسيط وواسع: مساعدة الجميع على تجنب الاحترار الكوكبي الكارثي وبناء المرونة في جميع أنحاء العالم تجاه تأثيرات تغير المناخ التي نراها بالفعل... ولذا أضحت التهديدات الناجمة عن تغير المناخ في قلب أولويات السياسة الداخلية والخارجية للولايات المتحدة...
كما عادت أمريكا إلى المنظمة العالمية للصحة، وتساهم الآن في الجهود الرامية لتوزيع اللقاحات المضادة لفيروس كورونا المستجد، وعلاجاته وتشخيصه حول العالم؛ كما أنها تقوم حاليًا بتمويل وتوفير الدعم البشري والوفاء بالالتزامات المالية الخاصة بواشنطن حيال المنظمة الدولية؛ وللذكر فإن إدارة ترامب السابقة كانت قد اتخذت قرارها بالانسحاب من المنظمة بعد اتهامها بالانحياز للصين، كما دأب ترامب على انتقاد استجابة المنظمة للجائحة التي كانت الولايات المتحدة أكثر المتضررين منها.
المهم، جاء الإعلان عن مخزون أمريكا من الرؤوس النووية في إطار السياسة الخارجية الأمريكية الجديدة وبخاصة تلك التي تقضي باستئناف محادثات مراقبة الأسلحة مع روسيا بعد تعثرها في عهد ترامب؛ لذا نقرأ في بيان وزارة الخارجية الأمريكية: إن «زيادة الشفافية بشأن المخزونات النووية للدول مهم لجهود منع الانتشار ونزع السلاح». كما أن الرئيس ترامب الذي سحب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني ومعاهدة القوات النووية متوسطة المدى مع روسيا، انسحب من اتفاق آخر أيضًا هو معاهدة ستارت الجديدة العام الماضي قبل انتهاء صلاحيتها في الخامس من شباط/فبراير.
وتنص هذه المعاهدة على عدد أقصى من الرؤوس الحربية النووية التي يمكن لواشنطن وموسكو الاحتفاظ بها؛ وكان ترامب صرح حينذاك أنه يريد صفقة جديدة تشمل الصين التي لا تمتلك سوى عدد قليل من الرؤوس الحربية بالمقارنة مع الولايات المتحدة وروسيا.
لكن الرئيس الجديد لأمريكا اقترح مباشرة بعد توليه الحكم تمديد المعاهدة لخمس سنوات وهو ما وافق عليه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بسرعة. وتحدد المعاهدة عدد الرؤوس النووية التي يمكن لكل من موسكو وواشنطن نشرها بـ1550.
وفي هذا الصدد عقد دبلوماسيون روس وأمريكيون اجتماعات ماراتونية في جنيف لبدء مناقشات بشأن معاهدة تلي «ستارت» ومراقبة الأسلحة التقليدية أيضًا. ووصف مسؤول أمريكي المحادثات بأنها «مثمرة خاصة ونحن نعلم أنه مجرد إجراء المحادثات يعد أمرًا إستراتيجيًا إيجابيًا. وتفيد إحصاءات نشرها في يناير/ كانون الثاني 2021 معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، تشمل الرؤوس الحربية التي سحبت ولم تدرج في أرقام وزارة الخارجية الأمريكية، أن الولايات المتحدة تمتلك 5550 من هذه الرؤوس مقابل 6255 لدى روسيا و350 لدى الصين و225 لدى بريطانيا و290 لدى فرنسا. وذكر المعهد أن الهند وباكستان وإسرائيل وكوريا الشمالية تمتلك مجتمعة نحو 460 رأسًا نوويًا.
ويقيني أن الرئيس بايدن رغم ما يبديه من حزم كبير حيال روسيا ردًا على أنشطة موسكو التي يعتبرها «مؤذية»، فلا مفر في أن يسعى إلى التوصل إلى أرضية تفاهم حول المسائل المرتبطة بالأمن الدولي وبخاصة الأمن النووي.