د. محمد بن إبراهيم الملحم
المدرسة النموذج Prototype or Exemplar School هي في الواقع ما اصطلح على تسميته المدرسة المثالية، وإن كان هذا التعبير صعب المنال عمليا، ولكنه مصطلح شائع يقصد به أن تكون تلك المدرسة مثالا أو أنموذجا لما يجب أن تكون عليه بقية المدارس، والواقع إن بعضهم يغرق في تصوير هذه المدرسة أو تصورها، سواء كان ذلك في الجانب التنظيري الوصفي أو حتى في الواقع التطبيقي حال ظهور تجربة ما لإيجاد هذا الأنموذج، فتجده أنموذجا مغرقا في حشد كل ما يتخيله البال وما تجمع في الخبرة من مشاهدات مختلف النماذج الدولية الأخرى في البيئات الأخرى، وهو أمر قد يترتب عليه إما ابتعاد هذا الأنموذج عن واقع البيئة المحلية التي قصد منه إحداث التغيير فيها أو انهيار الأنموذج للمبالغة في تصويره بما لا يمكن تحقيقه بأي حال من الأحوال في حال التعميم والتوسع، وعندما أقول ابتعاد الأنموذج عن واقع البيئة المحلية فإني أرمي إلى ما يحدث أحيانا من استيراد كامل لكل ما يتضمنه الأنموذج الدولي من مكونات دون مراعاة لمتطلبات البيئة المحلية وثقافتها مما ينحو بالنموذج نحو النخبوية أو الانتقائية فيخدم فئة صغيرة من المجتمع فقط، والتصرف الأصح هو أن يتم «تكييف النموذج» بحيث تستخدم الأدوات والخبرات والمناهج الدولية التي أثبتت جدارتها التعليمية بشكل متفوق بعد أن يتم مواءمة ما يلزم منها لتناسب ثقافة وتفكير وعادات البيئة المحلية، وتعجبني جدا المدارس الأهلية التي تدرس البرامج الأجنبية وتضع اللغة العربية والهوية الوطنية في صدارة اهتماماتها، كما تحرص على وجود نسبة مهمة من المعلمين السعوديين «الفاعلين» ضمن هيئة التدريس لديها، كما تؤكد رسالتها لأولئك المعلمين على أهمية قيامهم بدورهم المتوقع في تأكيد الثقافة السعودية والقيم الإسلامية والشيم العربية في نفوس الطلاب.
المدارس النموذجية ثم المدارس الرائدة وأمثالها من التجارب التي مورست عبر تاريخ تعليمنا هي محاولات حكومية لإيجاد المدرسة النموذج، ولن نتمكن في مقالة من تقديم رؤية عنها، لكنما السؤال الذي يطرح نفسه هو: أين نتائج هذه التجارب؟ ثم يتلوه سؤال آخر من نفس الفئة حول المدارس المتفوقة في مسابقات التميز: ماذا قدم فوزها وتميزها لغيرها من المدارس؟ أليس الهدف الاستراتيجي من مثل هذه المنافسات هو نسخ النموذج الجميل ونشر عدواه البناءة في مدارس أخرى؟ فكم هو مقدار ما تحقق من هذا الهدف؟ في سياق آخر، فإن كثيرا من المدارس الأهلية المتميزة تعيش نفس حالة الطموح هذه، بل ربما كتبتها كعبارة «رؤية» طموحة لها: وهي أن تكون مثالا وقدوة لغيرها من المدارس في تقديم خدمة تعليمية متميزة أو أي تعبير مواز لهذا، ثم تعيش هذه المدرسة (أو مجموعة المدارس بالنسبة للشركات التعليمية الكبرى) سنوات عدة تبني خلالها صرحها التعليمي وتعتني به بالرعاية والاهتمام والتطوير والتحديث ثم لا نعلم هل حققت رؤيتها التي تنشدها أم لا؟ لا نشك طبعا أن أية مدرسة أهلية متميزة ولها صيتها التربوي ترحب كل الترحيب بمن يرغب بزيارتها للتعلم والاستفادة، ولكن إلى أي مدى يمكن قياس هذا الشكل من التأثير «التلقائي» والذي يكون نتيجة مبادرة المتعلم مقابل التأثير المقنن الذي تقوم به المؤسسات لنشر المدرسة الأنموذج سواء قامت بذلك المؤسسة نفسها صاحبة الأنموذج أو غيرها من المؤسسات المهتمة بالشأن التربوي كالوزارة والجامعة وهيئة التقويم وجمعيات النفع العام والمراكز البحثية أو المؤسسات الدولية. وفوق هذا وذاك فإن عملية تبني المدرسة العادية للنموذج المتميز الذي حققته مدرسة ما يحتاج أيضا إلى منهج تطبيقي يساعد المنفذين في الاستخدام السليم لما تضمنه النموذج فالأمر ليس قص ولصق أيضا، بل لا بد من التدريب والتهيئة وهو أمر يحتاج إلى عمل مؤسسي يجهز المطبقين للنجاح في استيراد مكونات المدرسة النموذج وتسخيرها للارتقاء بهذه المدرسة أو تلك.
** **
- مدير عام تعليم سابقا