سلمان محمد البحيري
يتفاعل الكاتب الأديب بما يصادفه في الحياة، فيتأثر بما يحدث وينتزع من الحياة حقائق ويكتب عنها كمشاعر بكلمات من مكامن أعماق الشعور والخيال ويظهرها في أسلوب جميل، فيسلط الضوء على الغامض منه ويكتشفه ويمسح التراب عن ما هو مطمور ويلمعه، ويكشف عن ما هو مقيد ويحركه كما يحد من المندفع ويروضه، والكاتب الحقيقي لا يكتب لأجل الكتابة فقط، ولكن لا بد من الشعور حتى يصل ذلك لقلوب الآخرين وإلا أصبحت الكتابة مهنة من لا مهنة له، إذاً الكاتب يكتب ليصوّر ما يتأمله ويشعر به في هذا الوجود وما يكتشفه من أسرار كامنة في هذا الكون وعالم النفس والخيال، لذلك الكاتب الأدبي أسلوبه فنياً حينما يكتب عن أجناس الأدب المختلفة مثل المقالة والخاطرة والقصيدة والقصة والرواية والمسرحية وهدفه تعبير فني عمَّا يحول في نفسه من أفكار وعواطف والتأثير في الآخرين ولأجل الإفادة والإمتاع وتكون لديه في حروفه لوحات تصويرية جميلة في كلمات تلامس القلوب، لأنه يسبر الحقيقة فيها وأحياناً يكون كالطبيب الذي يداوي الجراح بكلمات الإيمان والأمل والتأمل والحب، فيسلط الضوء على هذه الأحاسيس ويتنقل ما بين منازل الحنايا في الأعماق فيكون نور في داخل هذه الأرواح، لذلك سيبقى الكُتّاب على مر التاريخ يتكلمون عن الحقائق الكبرى مثل الإيمان والحب والخير والجمال والحق وتحتاج من يكتبها كتابة جديدة لوجود عقول جديدة لذلك الكاتب يرتفع أسلوبه ويسمو تعبيره ويبدع في الجملة التصويرية كلما كتب أكثر ويكتسب مع مرور الوقت جزالة في الكلمات وروعة في الأسلوب ويقوى، لكأنما اكتسبه من روحه فذلك هو الكاتب الأديب حينما يكتب وأما الكاتب العلمي فهو يكتب مفردات علمية صرفة مثل البحوث والمقالات العلمية مرفقة أحياناً بالإحصاءات والأرقام والمصطلحات العلمية والابتعاد عن العاطفة والخيال باردة بدون روح فعندما يقرأها القارئ تدخل المعلومات في البداية في الذاكرة ثم تخرج سريعاً ولكنها لا ترسخ في الذهن طويلاً، بعكس الكاتب الأديب فهو يضع بصماته عليها لأنه تخرج من قلبه وإحساسه وبذلك تدل عليه وتصبح لديه قوة في الرأي والفكر والأحاسيس والخيال، وربما عاب البعض على الكاتب الأدبي بأنه يعيش في عالم العاطفة والمشاعر والخيال في عالم كله طغت عليه المادة، ولكن في الحقيقة نحن نشعر بذلك ويقول البعض بأنه يكتب أحياناً عن ما هو مخالف ولكن ما كتب عنه هو أحداث من الواقع سواء كان ذلك في قصة أو روية أو خاطرة والخطيئة موجودة مند أن خلق الله البشرية لذلك نحن لسنا في مجتمع كامل ومثالي لذلك كان على حق، ويكتب عن شيء واقع من الحياة وذلك من الحرية، فأنت مثلاً لا تحكم على البحر بأنه سيئ وأن وجوده غير مجد، ولكن عندما تفكر تجد فوائد جمة، حيث في أعماقه من الدرر واللؤلؤ والمرجان والأسماك وفوائد أخرى ما لا يتسع هذا المقال لذكرها، فإذا كنت مصراً على ذلك فلا تستفيد من خيراته وكذلك لا تقول ما فائدة القمر ما دام أنه بعيد هناك ولكن فوائده جمة ومن ضمنها حالة المد والجزر في البحار وإذا لا تنتظر ضياءه، ولا تقل ما فائدة الورود إذا لا تستمتع بجمال رائحتها ولا بالعسل من النحل الذي يتغذى على رحيق هذه الورود وأقيس على ذلك وأقول إذا لم يكن هناك كاتب أديب فلن تستمع أبداً بقراءة الأدب.