د. محمد عبدالله الخازم
التصنيف أو الترتيب للمؤسسات ظاهرة تتنامى في كثير من القطاعات ومنها الجامعات. هناك أبعاد اقتصادية وتسويقية وترويجية كتلك المتعلقة بتنافس الجامعات ومحاولة كل منها استقطاب الطلاب والمانحين وغيرهم وهناك أبعاد تتعلق بطبيعة صناعة التعليم العالي وغياب أو عدم وضوح مؤشرات متفق عليها تقيم جودتها ومنتجها أمام السياسيين والعامة لذا تلجأ لمرجع يقول لهم أنتم تعملون بشكل جيد ويقنع الغير كذلك بأنهم يعملون بشكل جيد. كذلك، في الجانب الاقتصادي التجاري هناك الجانب المتعلق بمؤسسات التصنيف ذاتها، حيث صناعة التصنيفات تدر دخلاً جيداً عليها، بدليل أن النيورك تايمز حولت التصنيفات إلى مؤسسة مستقلة وزادت نشاطها في السوق العالمي بعد اشتداد منافستها المحلية الأمريكية. وبدليل أن أغلب الجهات التي دخلت سوق التصنيفات تعاني في صناعتها الأساسية فأصبحت تخلق مصادر إضافية عبر القيام بالتصنيفات، لذا ليس غرابة أن المجلات والصحف هي من يقود هذه الصناعة كرافد لصناعتها الرئيسة التي تعاني كثيراً.
على المستوى الأمريكي يأتي تصنيف نيوزويك في المقدمة وهناك تصنيفات أخرى مثل تصنيف فوربس أو مراجعات برنستون أو تصنيف الوول ستريت أو الواشنطن الشهرية وغيرها من التصنيفات. في أمريكا لا تستغرب وجود تصنيف للجامعات بناء على نوعية الأكل فمن تقدم أكل نباتي تأتي في مقدمة المراتب مما يوحي بأنها كليات أكثر تقدماً. طبعاً، الدول الأخرى لديها تصنيفاتها المحلية، لكن مساحة للتوسع لذكر المزيد من الأمثلة...
على المستوى العالمي توجد تصنيفات مشهورة مثل التايمز وشنغهاي وكيو اس ووبمتركس وغيرها. وهذه التصنيفات التي تنشط الجامعات السعودية في الاشتراك فيها وتتفاخر بمن يقدم لها تصنيفاً أو ترتيباً أفضل من غيره. التصنيفات الأمريكية تنحى إلى تقييم الدراسات الجامعية والقبول والتعثر والتوظيف والقروض الطلابية، إضافة للدراسات العليا. بينما العالمية مدخلاتها تركز على البحث العلمي والدراسات العليا. ربما البحث يشكل المعيار العالمي الذي يمكن قياس ومقارنة بعض مؤشراته، أما بقية المؤشرات فهي عرضة لعدم الدقة وربما التلاعب فيها عن طريق المؤسسات المُصنفة والمصنِفة. باستثناء حجم البحث المنشور عالمياً، يصعب إيجاد معيار عالمي متفق عليه لتأثر عمل الجامعات بالبنى الاقتصادية والسياسية والمجتمعية للبلد الذي تعمل فيه.
بنظرة عامة، التصنيفات لا تقدم عن طريق مؤسسات حكومية أو مؤسسات اعتماد أكاديمي، وغالبيتها ذات طبيعة تجارية وتقدم عن طريق مؤسسات ربحية بالدرجة الأولى، والبعض قد يرى أنها مؤسسات مستقلة على اعتبار أنها تتبع قطاع غير قطاع التعليم العالي. الأمر يتعلق بمدى المصداقية والمعيارية العلمية، كما أنه يتعلق بالقيمة الأخلاقية المتعلقة بتعارض المصالح وتضاربها. لذلك سبق أن كتبت عن عدم قناعتي بقيام جهة مثل هيئة تقويم التعليم بإجراء تصنيف للجامعات السعودية...
لا يوجد لدينا مؤسسات مستقلة يمكنها إجراء التصنيفات، لذا نكرر مطالبنا بدعم تأسيس مراكز فكر ودراسات مستقلة. والأهم هو تحديد ماذا نريد من التصنيفات وأيها يناسبنا - طالما هي هدفنا- بدلاً من هذا التسوق العشوائي في سوق التصنيفات دون فحص وتدقيق في مصداقيتها ومعاييرها المختلفة وهل تحقق ما نريده أم أنها تمنحنا مراتب تخدعنا وتلهينا عن التطوير الحقيقي...