م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
1 - هل جودة تفكيرنا سبب جودة لغتنا، أم أن لغتنا هي سبب جودة تفكيرنا؟ بمعنى أنت تفكر لتعمل.. وتعمل لتنتج.. وتنتج لتكسب.. فإذا أنت لم تكسب أو تنتج أو تعمل فهذا يعني أنك لا تفكر.. إذاً لماذا لم تفكر؟ هل هي اللغة أم البيئة أم الكفاءة العقلية؟ من هنا فإن مستوى عملك وإنتاجك وكسبك دليل على مستوى جودة تفكيرك هذا على المستوى الفردي.. فماذا عن المستوى الاجتماعي.. فالمجتمع الذي يقبع خلف المجتمعات لا بد أن يسأل نفسه: لماذا ليس في ركب المقدمة هل هي اللغة أم البيئة أم العرق؟
2 - يقول الدكتور (طه حسين) في كتابه «مستقبل الثقافة العربية» حول علاقة اللغة بالتفكير: «نحن نشعر بوجودنا.. وبحاجاتنا المختلفة.. وعواطفنا المتباينة.. وميولنا المتناقضة حين نفكر.. ومعنى ذلك أننا لا نفهم أنفسنا إلا بالتفكير.. ونحن لا نفكر في الهواء.. ولا نستطيع أن نفرض الأشياء على أنفسنا إلا مصورة في هذه الوسيلة التي نقدرها ونديرها في رؤوسنا.. ونُظْهر منها للناس ما نريد ونحتفظ منها لأنفسنا بما نريد.. فنحن نفكر باللغة».
3 - أما الفلاسفة القدماء فقد اتفقوا على أن اللغة مجرد وعاء أو أداة نقل وتوصيل ولا يجب أن تُحَمَّل أكثر من ذلك.. وأستاذ الفلاسفة «أفلاطون» يقول إن «التفكير ماهيات وجواهر بينما اللغة غلاف أو قناة للتعبير عنها».. وهذا منح التفكير استقلالية كاملة عن التعبير كما منح الفكر استقلالية عن اللفظ.. ومن الفلاسفة من قال إن اللغة سبقت التفكير ومنهم من قال عكس ذلك. إذاً هناك من حصر تأثير اللغة على طريقة التعبير أو التفسير المعرفي البشري.. وهناك من يرى أنه يستحيل التفكير بدون لغة.
4 - وفي رأيي أن أقرب تعريف قرأته عن اللغة هو أن «اللغة وسيلة لإبراز الفكر من حيز الكمون إلى حيز التصريح.. وهي عماد التأمل والتفكير الصامت.. ولولاها ما استطاع الإنسان أن يسبر أغوار الحقائق حينما يسلط عليها أضواء فكره».
5 - منذ أن عرف البشر الكلمة وتخاطبوا بها وكونوا اللغة وهي تتزايد في التنوع وتتباعد في الاختلاف بمقدار تزايد الإنسان وانتشاره على الأرض وتنوع بيئاته وثقافاته.. واليوم نشهد في عصرنا الحديث عكس ذلك الاتجاه.. فعشرات اللغات تموت كل حقبة زمنية.. والمفردات اللغوية المشتركة أخذت تشيع في مختلف اللغات بدرجة يمكن أن تؤدي في نهاية الأمر إلى أن تكون لغة البشر لغة واحدة.. فمن المقدر أنه بنهاية هذا القرن سوف تموت (90 %) من لغات العالم الحالي.
6 - يقول علماء اللسانيات إن اللغة الميتة هي اللغة التي لا تتطور نتيجة لعدم تطور مجتمعها.. من هنا فإن الذين يدعون إلى صفاء اللغة وثباتها على ما ورثوها إنما هم بشكل أو بآخر يدعون إلى تجميد اللغة حتى تكون جاهزة لأن تموت.