د.خالد بن رشيد العديم
تعمل كثير من الشركات على تطوير خدماتها وترشيد نفقاتها والارتقاء بأرقام أرباحها، ومن ذلك الحرص على حقوقها، وهذا من الأمور الواجب على أي شركة تضطلع بمسؤوليتها أمام ملاكها وحملة اسمها.
وقد تقدم الشركات الخدمات العامة في سوق غير كاملة ليس فيها منافسة، وهذا منجلي في حالة كان أعداد اللاعبين من جهة عارضي الخدمة إما محدوداً أو لاعباً وحيداً، فمحدودية اللاعبين يجعل السوق في حالة شبه احتكار، وفي حالة وجود العارض/ المقدم الوحيد للخدمة يجعل السوق في حالة الاحتكار الكامل، وفي مثل هذه الحالات، وعندما لا تحظى خدمات الشركة برضا طالبي الخدمة، أو اختلافهم مع مقدم الخدمة على جودتها أو سعرها، قد يواجه طالب الخدمة مشكلة أين يذهب طلبًا للخدمة، فعليه إما البقاء مع عارض ومقدم الخدمة إن كان وحيدًا، أو يعود لمن كان معه في حالة كان نسبيًا أفضل من غيره، وهذا لا يعني أنه من الحسن بمكان، فالنسبية نظرية تشعر متبنيها أنه يحصل على «أفضل» مما يحصل عليه غيره مقابلاً على ما يقدمه مما يجنيه من عرق جبينه، فأفضل السيئين قد لا يكون حسنًا؛ وقد يكون.
إن ندرة عارضي الخدمة تبقي الخيارات أمام طالب الخدمة في حكم العدم، قد شلّت آليات السوق إن كان عارض خدمة دون المستوى مؤديًا، فلا يعطي بها طالب الخدمة درسًا لعارضها، ولتكون عظة وعبرة لعارض الخدمة الآخر، والسعيد من كان بغيره متعظًا ولغيره واعظًا، فقياس أداء العارض مرهون برضا الطالب، وهذا من المعلوم المبين، وحق نصرة المستجير، من كان في الخصام مع مزودي الخدمة غير مبين.
إن الوضعية المثلى للسوق تقتضي إن من كان دون الطموح عارضًا، كان الطالب عنه لغيره نازحًا، ففي السوق الكامل عارض وعارض، الكل عامل وحافد ولحقوق الآخر حافظ، ولرضا الطالب خاطب، وكذلك الحالة لو كان العارض في التسعير مبالغًا، أو كان لعدم كفاءة التشغيل مقدمًا لطالب الخدمة، سيظهر في الفاتورة رقم مضاف غير مبين، فيتحمل طالب الخدمة أخطاء التشغيل والفاقد، فإن كان عارض الخدمة وحيدًا في السوق فكيف السبيل لمقارنة الأداء بالقرين، إن التعددية في العرض منة ونعمة، يفوز فيها من كان صراطه مستقيمًا. كيف لطالب الخدمة أن يعلم بعدالة التسعيرة إن كان عارض الخدمة يتوافد ويحتشد عليه كل من كان في مدينة وقرية وهجرة، لم يأنف عن طلب الخدمة إلا من اختلى بصحراء، فكان هواؤها عليلاً ونسمة رقيقًا، وكانت نجومها المصباح المنير في عتمة تغشى قمرها الحياء وآثر الخدور على الخروج. قد زينها من خلقها بمصابيح مضيئة سراج منير، تبصرة للمتأمل، وبث فيها نسمات ريح، وهواء عليل، وعليل طرحته فاتورة هواء بارد اختار المدينة ليعمرها، وعمارة الأرض سنة، وبها كلفة، إن كسرت كاهل العامل فهل في العمارة والسكنى أجرة؟
لتقوم للخدمات سوق بها بهجة الطالبين، الأفضل أن تكون كاملة مفتوحة، وإن تعذَّر، فيحتاج الأمر إلى جهة عادلة بها كفاءة في النظر وتصريف الأمور، والإعلان عن بعض المنجز، وفي هذا تشجيع الطالب على المطالبة، وفيه ردع للعارض، يحتاج طالب الخدمة أن يجد جهة من الموضوعية بمكان، وتنظر في التفاصيل ودقائق الأمور، عندها يعلم مقدم الخدمة أن عليه ألا يخور. يستوي في ذلك من كان بالماء مزوّدًا، أو للكهرباء ممددًا، أو للهاتف والنت موصلاً، إن وُصد الباب للاعتراض أمام عدم رضا طالب الخدمة عن نظام فوترة وقد يكون حقًا لا تطفيف فيه، أو توظيف التقدير في حسبة الفواتير، أو لخبطة أنظمة الفوترة، حين أنّ من الخدمة مستفيد. بعد يوم مليء بالعمل ومنافسة الأقران وتحسين الأداء في عمله ووظيفته، يستحق طالب الخدمة أن ينعم بالسلام في بيته وسط ولده مع زوجه عن عدم كفاءة تشغيل عمالقة عارضي الخدمات، من الذين لم تقض المنافسة مضاجعهم ومن قام عليها، من ضَمِنَ النتيجة لم يحرص على التشغيل كفاءة، وإن كان فعَّالاً لما يريد، فالفاعلية توصل للنتيجة، ولكن الكفاءة تصلها بأقل قدر من تكاليف التشغيل، وهنا الفوارق بين من قال أنا مدير، وإلا فكل يدير، وبين من هو قائد مظفّر في السوق مبين راشد مرشد كفء مقتصد في مُدخل التشغيل، يشهد له الأداء مقارعًا به الأنداد، ليقظ به الأشباه، ليس كمن لا ند له، فهو الوحيد، يصل حين يريد، ومتى يريد، فنهاية الطريق معلَّمة بخط مبين، والعبرة ليس متى الوصول، فالمهم الوصول، وإن كان ثمة معايير أداء مقننة مكتوبة، ليست كمعايير السوق حين يضعها الأنداد على أنفسهم، هذه هي السوق محيط، وحروب من غير جندل ونصل، كما الصحراء بحر وليس ماء.
** **
مدير مركز البحوث - كلية إدارة الأعمال - جامعة الملك سعود