إبراهيم بن جلال فضلون
بأدوات التوسعية، رغم الركود، وكوفيد الوبائي بتحويراته الخطيرة، مُختتمة شبح «دومينو إيفرغراند» يظهر في «هانغ سينغ»، مما عمق مخاوف المستثمرين بشأن مستقبل القطاع العقاري في الصين، الذي تواجه شركاته ذات التصنيف الائتماني المُنخفض ارتفاعاً في العائد على سنداتها ليصل إلى أعلى مستوى له مُنذ عشر سنوات. وضخ البنك المركزي الصيني 100 مليار يوان (نحو 15.5 مليار دولار) في النظام المصرفي، وسبقها ضخ أكثر من 10 مليارات يوان، لتجنب حدوث أزمة سيولة من خلال اتفاقيات إعادة شراء عكسي مدتها 14 يوماً، ورغم ذلك تراجعت السندات الدولارية عالية المخاطر بنحو 4 سنتات لتسجل أكبر تراجع لها منذ 2013، وفق وكالة «بلومبرغ»، وخفض مؤسسة «فيتش ريتنغس» للتصنيف الائتماني تصنيفها السندات طويلة الأجل لشركة «سينيك هولدنغز غروب» العقارية من «CCC» إلى «C» وتراجع مؤشر «هانغ سينغ بروبيرتيز» للأسهم العقارية في بورصة هونغ كونغ بنسبة تصل إلى 2.2 % بعد ارتفاعه الأسبوع الماضي.
إن التأثيرات الاقتصادية على المدى المتوسط رغم أنه بدأ في الظهور التدريجي، لكنه حمل عدداً من الأسئلة حول قدرة الاقتصاد الصيني على مواصلة نموه الصاروخي سابقاً، وفق كلام الرئيس شي جنبينغ بأن تتقدم البلاد إلى قمة العالم في غضون عقدين على الأكثر، بينما أثارت الأزمة، «أزمة اجتماعية كبرى» نتيجة ضياع مدخرات صغار الصينيين الذين توهموا الحصول على مسكن مناسب. لكن الآثار السلبية طفت لطغيان السيطرة الإدارية للحكومة في مجالات حيوية عدة، أدت إلى تراجع تصنيفاتها ومؤشراتها كما سبق الحديث ببدء المقال، وإغلاق آلاف المصانع، بسبب أزمة الطاقة، حتى في العاصمة بكين، ليضطرب إنتاج 15 شركة صينية على الأقل في إفصاحات للبورصة، بينها أزمة عملاق العقارات «إيفرغراند» وشركة «فانتازيا» وغيرهما، في حين توقفت أكثر من 30 شركة مدرجة في تايوان ولها أنشطة في الصين عن العمل للالتزام بقيود الكهرباء، كما أن الأمر جديد بالنسبة لسكان بكين الذين اعتادوا طوال العشرين عاماً الماضية على الكهرباء الدائمة.
إذن كان التضخم والهشاشة عنواناً للإفلاس نتيجة (التوسع غير المدروس، وسطوة الحزب الحاكم وغياب المحفزات المجتمعية والإنفاق الباذخ على المؤسسات الحكومية وتوفير القروض لها بمعدلات كبيرة)، وهو ما ربطته غالبية التقارير الدولية خاصة الغربية والأميركية بوجود مباشر بين هذه الأزمات ذات الطابع الهيكلي وبين خمسة أسباب رئيسة ذات هدف أوحد أهمها (ديكتاتورية الشيوعية)؛ والرؤية الإستراتيجية المنسوبة للرئيس شي جنبينغ، والذي غير الحزب لوائحه لمنحه فرصة البقاء رئيساً مدى الحياة، وكأن بكين قد انتقلت إليها عدوى ديمومة السلطة في عالمنا العربي، وإستراتيجية الحصار الأميركي للصين، التي تُعد عقوباتها الاقتصادية والتجارية ملمحاً أساسياً بغرض تقليص النفوذ المتصاعد للعديد من شركات التكنولوجيا الصينية عبر العقدين الماضيين، أبرزها «هواوى»، وتشكيل سلاسل جديد بعيدة عن الصين، يكون محورها الهند وأستراليا والبرازيل والمكسيك وجنوب أفريقيا ومصر. بهدف كسر حلقة النفوذ الصيني على مكونات الإنتاج، لا سيما في صناعة السيارات والحاسبات الآلية والكيماويات والأدوية والرقائق الإلكترونية والقطارات السريعة والمكائن.
الهيمنة استباقاً: إن الاندفاع نحو طموح الهيمنة استباقاً لإحكام حلقات الحصار الدولي، هي نتائج محتملة، ستؤدي عملياً إلى إثارة القلاقل والأزمات الأمنية وربما مواجهات عسكرية، تطال الجميع جراء مواجهة صينية غربية مُوسعة قد تكون حرباً في طريق تغيير المعالم الاقتصادية والاجتماعية، ساحاتها بعيدة عن كلا الطرفين إن لم يكن هناك غزو لإحداهما أو تكرار أحداث (ناجازاكي وهوروشيما) من نوع تقني حديث.. لذا فتعديل سياسة الإدارة الصينية تعمل على طمأنة الجيران والحلفاء، وهو ما يتطلب تغيرات جوهرية في طريقة التفكير القيادية السلطوية، ليكون التحدي الحقيقي أمام التقدم الصيني هو الطريق السلمي وبناء شراكة أساسية في إدارة النظام الدولي.