علي الخزيم
هي الرياض عاصمة العزم والحزم والإنسانية، بكل فصول السنة تَنْعم بمواسم من الفرح والالَق؛ فلأهل هذه المدينة التي لا تنام وضيوفها من كل الشعوب احتفاليات تتنوَّع جمالاً ومتعةً مع تنوّع الفصول والمُناخات؛ فأمسيات صيفها رائقة هادئة مع نسمات صَبَا نجد العَذِيَّة لا سيما أثناء ساعات الليل خارج المدينة؛ فعلى جوانب رمالها الذهبية مواطن للمرح والأُنس بطبيعة تآلفت معها القلوب والحواس، وبالاستراحات والمُخيمات ومواقع الترفيه البريء التي أخذت بالتطور بالخدمات وتَحَسُّن الفعاليات، فكل نسمات أجواء رياض العز بَلْسَم وشفاء تجلو عن الأنفس والقلوب الكآبة المزعومة - التي يدَّعيها البعض - عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وعلى قلة هذه الآراء فإن المُنصف لا يمكن أن يسكت عن إظهار واقع الرياض وجمالها المُحبب للكثيرين بشهادة ضيوفها ومئات الآلاف من المقيمين بربوعها المستمتعين بأمنها ورخائها وشفافية أنظمتها وقوانينها المُستَمَدَّة من النظام العام بمملكة الإنسانية، حيث لا تفرقة ولا عنصرية ولا ظلم لأحد، فمن يحترم الأنظمة سيشعر بأنه مواطن لا فرق بينه وبين الآخرين.
وفي ليالي الشتاء تتجدَّد الأفراح والبهجة بأنماط يجيدها سكان الرياض ومواطنو المملكة بكل أطيافهم وتنوّع ثقافاتهم المناطقية وعاداتهم المُتوارثة، وتجمعهم نشوة استقبال الغيث وجريان الأودية وزهور الربيع الصحراوي الطلق، ومع كل غيمة رعدية بارقة غادقة تتجدد شيلات وعرضات الشعر العفوي العذب، وتتناغم أصوات المُنشدين طرباً تستثيره المناظر الخلَّابة والأجواء الشتوية الحميمية وحول مواقد الحطب المُحتضِنة لأواني القهوة العربية والشاي والحليب بالزنجبيل، وفي الأمسيات تزدان الجلسات بأحاديث وقَصَص واشعار الرُّواة الراقية التي تُثري ثقافات الأجيال وترصد لهم تاريخ الآباء والأجداد؛ وما كانت عليه بلادنا الحبيبة من عز وشمم وكرم وأخلاق حميدة وعادات تفتخر بها العرب، رغم ما مَرَّ بها ببعض عقودها الزمنية من فاقة وشُح بالموارد والأرزاق؛ فما كان منهم سوى الصبر والكفاح وحفظ الكرامة وعزة الأنفس وصيانتها من المهانة، هؤلاء هم أجدادنا وهكذا كانوا فارفعوا الرؤوس!
ولعل الاكتئاب المزعوم مصدره عند البعض ما يُعرف باكتئاب تبدل الفصول؛ فيتأثر بمتغيرات الأجواء والطقس مؤقتاً وينتابه شيء من الكسل والخمول، فيفسِّره بسوء الحال بموقع سكنه ومعيشته والبيئة المحيطة، أو كما حصل للبعض مع بدايات وتطور جائحة كورونا، فقد أكدت دراسة علمية أجراها فريق بحثي من جامعة الملك سعود أن الجائحة ساهمت برفع معدلات الاكتئاب والقلق والتوتر المؤقت لدى شرائح بالمجتمع السعودي، وأظهرت الدراسة أن معدل الاكتئاب واضطراب النوم كان أعلى عند صغار السن، والإناث أكثر من الذكور، مع إشارة إلى العلاقة القوية بين عدم تحمُّل المجهول الذي يسبب الأعراض النفسية المذكورة، فعلى هذا يمكن للإنسان أن يبتكر الأجواء المناسبة لوقت الراحة والاسترخاء، فالشوارع والمباني ليست هي التي تمنحك الارتياح بكل الأحوال، رغم أنه قد روعي فيها هذا الجانب؛ غير أن الأمزجة والأذواق تتباين، والمزاج الواحد تختلف درجات تقبله لبعض الأشياء من وقت لآخر، وهذه طبيعة المدن والعواصم الكبرى، فهي ليست كالضواحي، والرياض تتحول الآن إلى مدينة صحية جاذبة نموذجية فأمهلوها قليلاً، وبادلوها حباً بحب لتستمر البهجة والأفراح.