د. تنيضب الفايدي
اشتهرت حائل بأنها موطن قبيلة طيء، القبيلة العربية الشهيرة التي اشتهرت بحاتم الطائي في الجاهلية، وفي الإسلام بـ(عدي بن حاتم) و(سفانة بنت حاتم) الصحابي والصحابية رضي الله عنهما من هذه القبيلة العربية التي حافظت على إسلامها ولم ترتد بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم مثل بعض القبائل وإنما بقيت تنافح عن الإسلام وأصبح اسم القبيلة ملازماً للكرم والجود، وذلك لأن حاتم الطائي أرّخ لهذا الكرم وأذهب ماله في سبيله يقول:
أماويّ إن المال غادٍ ورائح
ويبقى من المال الأحاديثُ والذكرُ
ويقول عن نفسه أيضاً:
أما والذي لا يعلم الغيبَ غيرُهُ
ويحي العظام البيض وهي رميم
لقد كنتُ أطوي البطن والزاد يشتهى
مخافة يومٍ أن يُقال لئيم
وهو إن صحت نسبة البيتين له فإنه يؤمن بأن لا يعلم الغيب إلا الله كما يؤمن بالبعث يوم القيامة.
وفي بعض جبال حائل يتم إيقاد النار ليراها المقوون السائرون ليلاً ويقدمون على ضيافة حاتم الطائي ولا يحب اللوم على ذلك الذي أفنى ماله في الكرم، وخاطب زوجه (نوار) لأنها كانت تلومه في إنفاق المال:
مهلا نوار أقلي اللوم والعذلا
ولا تقولي لشيء فات ما فعلا
ولا تقولي لمال, كنت مهلكه
مهلا, وإن كنت اعطي الجن والخبلا
يرى البخيل سبيل المال واحدة
إن الجواد يرى في ماله سبلا
فاصدق حديثك. إن المرء يتبعه
ما كان يبنى إذا ما نعشه حملا
ليت البخيل يراه الناس كلهم
كما يراهم فلا يقرى إذا نزلا
يسعى الفتى وحمام الموت يدركه
وكل يوم يدني للفتى الأجلا
إني لأعلم إني سوف يدركني
يومي وأصبح عن دنياي مشتغلا
وهذا الجبل المرتفع أي اليفاع, كان موقد النار لحاتم حيث وصف:
له نار تشب على يفاع
إذا النيران ألبست القناعا
ولم يك أكثر الفتيان مالا
ولكن كان ارحبهم ذراعا
وروي أن حاتمًا لما أحضرت له زوجه الطعام قال لها «احضري من يؤاكلني فإني لم أعود نفسي الأكل وحدي فيذمني الناس ويتهموني بالبخل» وبين حبه للضيفان بأنه يقوم على خدمتهم مدة إقامتهم عنده:
إذا ما صنعت الزاد فالتمس له
أكيلا فإني لست آكله وحدي
أخا طارقا أو جار بيت فإنني
أخاف مذمات الحديث من بعدي
وإني لعبد الضيف ما دام ثاويا
وما في إلا تلك من شيمة العبد
وقد ذكر ابن قتيبة (أبو محمد عبد الله بن مسلم) نبذة عن سيرة حاتم الطائي حيث ذكر بأنه: «حاتم بن عبد الله بن سعد بن الحشرج من طيءٍ. ومه عِنَبةُ بنت عفيف من طيء. وكان جواداً شاعراً جيد الشعر. وكان حيث ما نزل عُرف منزله وكان ظَفِراً، إذا قاتل غلب، وإذا غنِم أنهب، وإذا سُئل وهب وإذا ضرب بالقداح سبق وإذا أسر أطلق. ومر في سفره على قبيلة عَنزَه وفيهم أسيرٌ فاستغاث به الأسير ولم يحضره فكاكُه (أي لم يكن مع حاتم مال أو غيره ليفك أسر الأسير) فاشتراه من العنزيين وأقام نفسه مكانه في القد (ما يوثق به الأسير) وأرسل لإحضار المال حتى أدى فداءه وقسم ماله بضع عشرة مرة.
وقال أبو عبيدة أجواد العرب ثلاثة: كعب بن مامة، وحاتم طيء (وكلاهما ضُرب به المثل)، وهرم بن سنان صاحب زهير. وكانت لحاتم قدور عظام بفنائه لا تنزل عن الأثافيّ. وإذا أهلّ رجب نحر كل يوم وأطعم. وكان أبوه جعله في إبل له وهو غلام فمرّ به عبيد بن الأبرص وبشر بن أبي خازم والنابغة الذبياني وهم يريدون النعمان فنحر لهم ثلاثة من إبله وهو لا يعرفهم، ثم سألهم عن أسمائهم فتسموا له ففرق فيهم الإبل كلها. وبلغ أباه ما فعل فأتاه فقال له ما فعلت الإبل فقال يا أبه طوَّقتك مجد الدهر طوق الحمامة، وأخبره بما صنع. فقال له أبوه: لا أساكنك أبداً ولا أوويك. قال حاتم إذاً لا أبالي، فاعتزله.
وقال عنه ابنه عدي بن حاتم: كان حاتم رجلاً طويل الصمت وكان يقول: إذا كان الشيء يكفيكه الترك فاتركه.
ووقف الكاتب على موقد نار حاتم الطائي فوق جبل وسط حائل حيث كان يقول لعبده:
أوقدْ فإن الليل ليلُ قرُّ
إذا أتى ضيف فأنت حرُّ
أي أن مجيء الضيف سيكون عتقًا لهذا العبد الذي كان سبباً في مجيئه بإيقاده النار وقد جدد مكان الموقد ولكن لم يوفق من جدده إلى الطريقة الصحيحة، فلو بقي كما كان لكان أجمل وما زال علم الكرم الحاتمي مرفوعاً في حائل فقد كانت هناك لحظات للكاتب مع مجموعة من أهل حائل وسُرَّ بأحاديثهم وتذكر قول الشاعر:
وأحادث ضيفي قبل إنزال رحله
ويخصب عندي والمكان جديبُ
وما الخصب للأضياف أن يكثر القرى
ولكن وجهَ الكريم خصيبُ
ولم يكن المكان جديباً بل كان خصباً وفوجئ الكاتب بأن ما تم إعداده للقِرَى يكفي عشيرة وتُرِكَ الكاتب وصحبه القادمون معه، أما المضيف وجمع مبارك معه لم يشاركوا في الطعام وأفهموه بأن ذلك عادة في حائل.. إنها رحلة ممتعة ليتها تعود لأنها تزرع الحب لأهل حائل جميعاً.