الكتابة عن الأعلام أو الرموز منهج سار عليه المؤرخون عبر عصور التاريخ؛ لأن بعض بني الإنسان يصنع بأفعاله المكان، ومبارك بن ثواب الظاهري هو أحد هؤلاء الرموز التاريخية لبلدة الشنانة في القصيم بالرس، وذلك في تاريخها السابق، وعن هذه الشخصية وردت معلومات تاريخية وبمصادر متعددة وكلها تؤكد أنه كان من أعيان عائلة الظواهر بالشنانة، وهم من قبيلة حرب في بلاد الحجاز، وهؤلاء الظواهر ممن كانوا أكثر شهرة في بلدة الشنانة في فترتها التاريخية الثانية بعد عام 1200هـ، كما أنهم كانوا مشهورين بمشيخة بني قومهم بالحجاز.
وكان نزوح مبارك بن ثواب من بادية الحجاز مع والده وعشيرته أو بعضها، وكان وصولهم للشنانة بالقصيم قبل عام 1200هـ حسب تعداد الأستاذ سليمان الرشيد لعوائل الشنانة القدامى [مساجد الرس وأطرافه لسليمان الرشيد: ج2/ص610].
وحسب مصادر الأستاذ هيثم الظاهري في تغريداته متعددة المراجع أن حياة مبارك تقريباً كانت ما بين عامي (1160-1250هـ)، وفيها كذلك ما يرويه عن أجداده الظواهر بشأن قدومهم إلى الشنانة، ومما قال فيها: «أول من حلَّ بالرس هو ثواب بن مضيان الظاهري المعروف بلقب (عشير النشاما) ووفاته كانت قبل 1200هـ؛ وابنه هو مبارك بن ثواب الظاهري وقد استوطن ظاهرية الشنانة التي تقع شمال المرقب وقد بنى بها مبارك قصرًا وزرعها، ومبارك له من الأبناء خمسة هم: سعد وفيصل وثواب وعلي وشاهر»، وحسب هذه الرواية أن ثواب بن مضيان الظاهري هو من قَدِم إلى الشنانة.
ومبارك ممن يمكن تعداده من رموز الشنانة ووجهائها في سابق تاريخها، لكن ذلك كان أكثر من حيث المكانة بعد عام 1200هـ، حيث -حسب المتوفر من الوثائق- أن مبارك كان من أهل الحل والعقد مع غيره في الشنانة آنذاك.
وكانت صيته بنت ثواب الظاهري قد تزوجت من سليمان الخليفة بالشنانة، ووفق ما سبق فإن عائلة الظاهري كانت ممن أسهم بتأسيس الشنانة في الفترة التاريخية الأولى قبل عام 1200هـ وممن شارك كذلك بعمارتها بعد هذا التاريخ، حيث بعض المصادر والمعلومات جَعَلَت من مبارك سيداً بين بني قومه في هذه الفترة التاريخية الثانية للشنانة والتي كانت بعد عام 1200هـ، وذلك حينما وُصِف مبارك بأنه (راعي الشنانة) بإحدى الوثائق الواردة في آخر هذه الترجمة، فالتواريخ والأحداث التاريخية والوثائق تكشف أن عائلة الظاهري شركاء في معظم أحداث الشنانة في فترتها التاريخية الثانية ما بعد عام 1200هـ، وهم بهذا من رموز الشنانة وأعيانها خاصةً في هذه الفترة الثانية.
ومما ورد عن مبارك من معلومات أنه كان (شيخاً لعرب الشنانة) حسب تعبير بعض الوثائق أو الكتابات، ويبدو أن المقصود مشيخة قبيلته أو عشيرته في الشنانة، وتتفق هذه المعلومات المنشورة عن الظواهر مع معلومات ووثائق أخرى عن هذا الجانب الاعتباري للعائلة، ومن ذلك القول: «وهو الذي حفر بئر الظاهرية سنة 1232هـ، الواقعة جنوب الرس وشرق جبل كير، كما هو مُوثَّق لدى القاضي السلومي [سليمان بن ناصر السلومي] بتاريخ 1356هـ وبشهادة فهد بن فوزان بن شارخ، وخلف بن محمد بن شارخ، وعبدالله بن صالح بن خليفة»، وكان لهذا البئر أهمية وتاريخ يتعلق بقوافل الحج القادمة من العراق خاصة آنذاك -والله أعلم، كما أن لهم بئراً أخرى مطوية بالحجر معروفة بالشنانة، وتقع شمال مزرعة ظلما.
ومما يضع مبارك الظاهري من الرموز أن عائلته -حسب بعض المصادر- كان لديهم ما وُصف بأنه أول وأقدم مربط خيل، واشتهر الظواهر بما عُرف عنهم تاريخياً ملكيتهم لما يُسمى (فرس الهدبا) و(هدباء الظاهري) و(مربط خيل هدباء الظاهري) التي أهداها الإمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود إلى إبراهيم العريني «راعي منفوحة»، واشتراها منه الشيخ مبارك بن ثواب بن مضيَّان الظاهري وذلك زمن الدولة السعودية الثانية في حياة الإمام عبدالعزيز وقبل وفاته عام 1218هـ، وقصتها مذكورة في معظم كتب الخيل ومشهورة بارتباطها بعائلة الظواهر كما هو مُدوَّن في كتاب حمد الجاسر.
والحقيقة أن عائلة الظواهر بشهرتهم كانوا عائلة أو عشيرة بالشنانة أكثر من شخص مبارك كما ورد في بعض مصادر التاريخ.
من رمزيته في الأحداث التاريخية:
مما روي عن مبارك الظاهري ما ورد في إحدى الكتب التاريخية أن رَجُلَ الإمام عبدالله بن سعود، ويُدعى مبارك الظاهري خرج بـ100 مقاتل لجبل شمر لإخماد نار فتنة وقعت بين قوافل الحج سنة 1229هـ، وذلك بداية حكم الإمام عبدالله بن سعود؛ حيث كانت تقع عدد من القلاقل لقوافل الحج من السلب والنهب الذي يتعرض لها الحجاج في بعض الفترات التاريخية، حتى كانت هناك بعض المهام تُعنى بحماية قوافل الحجاج ويُسمى من يتولى تلك المهام بأمير الحج. [جبل شمر في الرحلات الشرقية لخليف الشمري: ص130-131].
ومما يُعدُّ من شهرة مبارك الظاهري المعني بالترجمة هنا في بعض الأحداث التاريخية أن عبدالرحمن آل الشيخ ذَكَرَه في مقاماته عندما كَتَبَ عن معركة الدرعية، وقال عن مبارك إنهم لو عملوا بخطة مبارك الظاهري لَمَا سقطت الدرعية، بعد مشيئة الله، حيث ورد في كتاب المقامات قوله: «وأشار عليه مبارك الظاهري أنه يجيء بثلاثة آلاف من الإبل عند ابن جَلْهَمْ، ويجعل عليها الأشدة، ويَشِيل عليها كل ما كان له، ولا يَخَلِّي في الدرعية له طارفة، ويصد مع عربان قحطان، وكل من كان له مروءة من بدوي أو حضري راح معه، كذلك الذي يخاف، والذي يريد القعود ويكون ظهره على السعة. ويذكر له أنك يا عبدالله [ابن سعود] إذا صرت كذلك صار لك في العسكر مكائد، منها قطع سَابِلَة ما بينه وبين المدينة، وهذا رأي سديد، ولكن لم يرد الله قبوله؛ لأن الأقدار غالبة، ولو قُدِّر هذا لكان».[المقامات للشيخ عبدالرحمن آل الشيخ: ص126-127].
وقد كان مبارك وابنه سعد ممن حَضرا معركة الدرعية عام 1232هـ كما ورد في بعض المعلومات والوثائق..
والمهم عند عرض هذه الترجمة أن هذه الرمزية الاعتبارية لمبارك الظاهري وعائلته أو عشيرته بالشنانة مما أصبح مدوَّناً بكتب التاريخ، لكن عبارات وردت ببعض الوثائق أو بعض الكتابات تتطلب المزيد من البحث العلمي التاريخي في التحقق عن المقصود، ومن ذلك أن مبارك لُقب بـ(راعي الشنانة) و(شيخ عربان الشنانة)! بل وردت في بعضها عبارة أن مبارك الظاهري (شيخ الشنانة) كما ورد ذلك في بعض الوثائق المذكورة في مصادر هذه الترجمة، ثم ما هو المقصود بـ»شيخ الشنانة»!!؟ لاسيما أن لقب «راعي الشنانة» تعني ساكنها أو صاحبها فقط في الغالب وليس المالك لها كما شرح ذلك المؤرخ ابن يوسف! بل وربما أن من متطلبات البحث العلمي تحديد تاريخ وصول الظاهري أو مجيئهم للشنانة من الحجاز بشكل أدق وأوضح حول زمن المجيء قبل عام 1200هـ.
وبالرغم من هذه التساؤلات والاستفهامات العلمية ففي ظل هذه الوثائق والحقائق السابق واللاحق ذكرها عن عشيرة الظاهري، فقد كان لها مكانة وشهرة بالشنانة خاصةً بعد تأسيسها ومواقع أخرى للظاهري مثل (جبل كير) و(جبل أبانات) بالقصيم، والوثيقة التي كتبها عنهم الشيخ سليمان بن ناصر السلومي تؤكد أن مبارك بن ثواب الظاهري المعني هنا هو الذي حفر بئر الظاهرية المشهورة والمجاورة لجبل (كير) قرب الرس والشنانة، كما تؤكد كذلك أن هذا كان بعد عام 1200هـ، وهو ما يعني أن حفر البئر كان بعد تأسيس بلدة الشنانة بعقود من السنين، ويُلحظ أن من الوثائق التي كتبت عن مبارك الظاهري بثراءٍ علمي المصادر التالية:
أ- الأرشيف العثماني (HAT-00345-19685-A00001) ولها صورة طبق الأصل مسجَّلة وموجودة بدارة الملك عبدالعزيز بالرياض بنفس رقم الأرشيف العثماني الوارد ذكره هنا.
ب- دار الوثائق القومية بالقاهرة، محفظة رقم (16) وتاريخ 18 ذي الحجة 1255هـ ضمن رسالة موجهة إلى أمين أفندي.
ج- مذكرات تاريخية عن بعض أعلام قبيلة حرب للدكتور فائز الحربي، ج1/ص137.
وهذه الشخصية مبارك بن ثواب الظاهري وبأولاده خاصةً فيصل وثواب، وبهذه الأوصاف من خلال المصادر المتعددة، كل هذا مما يُوجب ويُعزِّز أن تكون هناك بحوث ودراسات في الوثائق المذكورة في هذه الترجمة وغيرها لمعرفة أكثر وأشمل عن عائلة مبارك الظاهري ورموزهم من خلال القراءة والرجوع إلى المصادر الواردة في ثنايا هذه الترجمة وغيرها، إضافةً إلى أهمية البحث أكثر في الأرشيفات والمكتبات المعنية بتاريخ تلك الفترة عن الشنانة وسكانها وأحداثها.. والله ولي التوفيق.
** **
د. محمد بن عبدالله السلومي - باحث في الدراسات التاريخية ودراسات العمل الخيري والقطاع الثالث
info@the3rdsector.org