منذ عام كامل وتحديداً في 29 سبتمبر 2020 نعت الساحة التشكيلية في المملكة عميدها الفنان التشكيلي الرائد سعد بن عبدالله العبيّد - رحمه الله.
سعد بن عبدالله العبيد فنان تشكيلي سعودي من رواد الحركة التشكيلية في المملكة العربية السعودية، ولد سعد العبيد في مدينة الرياض عام 1945م بدأ الفن منذ طفولته وكانت طبيعة الرياض وصحاري نجد هي محطاته الأولى مع الرسم، على أطراف مدينة الرياض حينها وهي ما تبعد عن منزل والده ما يقارب 400 متر كان يخرج في وقت يحبه وقت كان يقول عنه (وقت الأصيل) ليتأمل تمازج أشعة الشمس مع حبات الرمل وانعكاسها على الشجيرات الصغيرة المنتشرة ليعود قبل المغرب مسرعاً لصلاة الجماعة في مسجد الحي ثم يعود إلى البيت ليبدأ لوحة ترسخت معالمها وعناصرها من تلك الطبيعة التي كان يتأملها، انضم -رحمه الله- إلى معهد المعلمين ليتخرج منه عام 1962م وكان للمعهد محطة مهمة في حياته الفنية وتنمية موهبة الطفولة، ومن أستاذة حينها تعلم قاعدة في دمج الألوان رافقته طوال حياته وعلمها للفنانين بعده، يقول -رحمه الله-: أتى أستاذي وأنا استخدم عدداً من الألوان أثناء رسم لوحة وسحب مني جميع الألوان عدا الأحمر والأزرق والأصفر بالإضافة للون الأبيض وقال لي استخدم هذه فقط وتركني لأكمل عملي حتى بدأت أحاول أن استخرج منها جميع ألواني ومن حينها لم استخدم سوى هذه الألوان)، فكان -رحمه الله- يستخرج منها عدد لا ينتهي من الألوان حيث تميزت أعماله بمزيج لوني متناغم وضربات فرشاة دائرية تميز أعماله بهوية خاصة يستطيع المتلقي من النظرة الأولى معرفتها.
وبعد تخرّجه من المعهد انضم إلى المركز الصيفي الأول في الرياض والذي التقى فيه برفيق عمره ومسيرته الفنان الراحل محمد السليم -رحمه الله - ولم يفرقهم بعد هذا اللقاء إلا الموت -رحمهما الله- وبقي السليم مرافقاً للعبيّد في ذكراه وسيرته طوال مسيرة العبيّد ومن أبرز محطات هذه الصداقة مهرجان الوفاء الذي تبناه وعمل عليه بكل ما يستطيع ليكون تكريماً ووفاءً للسليم في حياته، وشاء الله أن يكون هذا المهرجان بعد وفاة السليم بمساندة عدد كبير من الفنانين التشكيليين حينها.
عمل سعد العبيّد -رحمه الله- بعد تخرجه من المعهد مدرساً للتربية الفنية حتى عام 1976م وبدأ مشاركته الفنية في معارض رعاية الشباب في النصف الثاني من ستينات القرن الماضي وشارك في العديد من المعارض المحلية والدولية.
* أقام تسعة معارض شخصية في عدة مدن بالمملكة في الأعوام: (1971م - 1975م - 1977م - 1979م - 2004م - 2007م - 2008م - 2009م - 2013م) وكان -رحمه الله- يجهز قبل وفاته للمعرض العاشر له..
* بدأ العمل عام 1970 رساماً في التلفزيون السعودي وحصل على دبلوم في الرسم التلفزيوني من باريس عام 1976 ثم أصبح مشرفاً على قسم الخط والرسم واستمر فيه حتى عام 1999م، حيث تفرّغ بعدها للفن بشكل كامل، عمل مشرفاً على مرسم نادي الشباب بالرياض من عام 1967 لغاية عام 1975م، أعد وأشرف على الجناح التشكيلي في معارض الرياض ومعرض (المملكة بين الأمس واليوم) في مدن كولون وتشوتجارت وهامبوج والرياض ولندن وباريس والقاهرة عامي 1985-1986م.
* شغل منصب رئيس لجنة الفنون التشكيلية في الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون في الرياض ما بين عام 1985م و1995م.
كان -رحمه الله- ممن شجع على إقامة الجماعات الفنية في المملكة مما لها أثر إيجابي وتحفيز لبيئة تنافسية شريفة بين الفنانين بحسب رأيه -رحمه الله -. وكان من مؤسسين جماعة ألوان التشكيلية في الرياض كما كان عضو في عدة جماعات تشكيلية.
وكان -رحمه الله- من المؤسسين للجمعية السعودية للفنون التشكيلية.
ثم افتتح -رحمه الله- عام 2008 مرسمه في منزله وحوله بعد ذلك لمجموعة الملتقى التشكيلي والذي يقول -رحمه الله - أن تسميتها جاءت من كون مرسمه كان ملتقى للفنانين التشكيليين في المملكة.
* استضاف -رحمه الله- الملتقى التشكيلي العربي في الرياض عام 2009م.
* أصدر -رحمه الله- كتاب (سعد العبيد ومسيرة الأربعين عاماً) عام 2003 .
* نظَّم من خلال مجموعة الملتقى التشكيلي العديد من الفعاليات والبرامج والمعارض التشكيلية على مدار سنوات، فكان -رحمه الله- يطلق برنامجاً سنوياً في كل عام يتضمن معرضاً سنوياً ومعرض لمسات والعديد من المعارض الثنائية والثلاثية والرباعية للعديد من الفنانين التشكيليين في المملكة كما كان يتضمن العديد من المحاضرات وورش العمل وبرنامج براعم الملتقى الذي يهتم بالأطفال وتنمية مواهبهم.
وأثناء جائحة كورونا عكف سعد العبيد على مرسمه ليستثمر هذا الوقت في إنتاج عدد من الأعمال التشكيلية كما تابع كتابته لكتاب عن مسيرة الفن التشكيلي يوثّق الكثير من تاريخ الفن التشكيلي وأحداثه ويتضمن الكثير من الوثائق والصور ليكون مرجعاً مهماً في تاريخ الفن التشكيلي في المملكة، ولكن شاء الله أن يتوفاه قبل إتمام هذا الكتاب وخروج المعرض العاشر.
وفي معرض وفعاليات «هي لنا دار» الذي نظّمته الجمعية السعودية للفنون التشكيلية (جسفت) بالشراكة مع مكتبة الملك فهد الوطنية والتي أقيمت برعاية صاحب السمو الملكي الأمير د. فيصل بن محمد بن سعود بن عبدالعزيز الرئيس الفخري للجمعية وضمن مبادرة (ويستمر الوفاء) التي بدأتها الجمعية وفاءً لفنانين قدموا الكثير ورحلوا، أقامت الجمعية ركناً خاصاً في المعرض للراحل سعد العبيّد -رحمه الله- تضمن هذا الركن عدداً من أعماله الفنية وصوراً فوتوغرافية وبعضاً من كتب وأدلة معارض قام بها -رحمه الله - بالإضافة لكرسيه ولوحته الأخيرة التي لم تكتمل مع الأدوات التي كان يستخدمها فيها - رحمه الله.
كما نظّمت الجمعية ندوة بعنوان (ويستمر الوفاء لمسيرة الفنان سعد العبيّد) -رحمه الله - أدارتها سعادة الدكتورة منال الرويشد رئيس مجلس إدارة الجمعية وتحدث فيها الفنان التشكيلي الأستاذ ناصر الموسى أمين عام الجمعية والفنان التشكيلي الأستاذ إبراهيم النغيثر وقدمها الدكتور شاهر النهاري.
رحبت الدكتورة منال الرويشد بالضيوف والمتحدثين، وقالت إن هذه الأمسية هي ليلة وفاء وحب لرموز الفن التشكيلي، هي ليلة ذكرى وليست ليلة حزن، ليلة فخر بقامات سعودية رحلت عنا، ليلة الوفاء لسعد العبيّد - رحمه الله.
وتحدثت عن الراحل سعد العبيد كونه الإنسان والأب كونه الفنان الذي أحدث التغيير في المشهد التشكيلي في المملكة من خلال ما قدَّمه خلال مسيرته.
وفي مستهل حديثه، شكر الأستاذ ناصر الموسى الجمعية السعودية للفنون التشكيلية والدكتورة منال الرويشد على الجهود المبذولة في خدمة الساحة التشكيلية وعلى هذه المبادرة والأمسية (ويستمر الوفاء) ثم تحدث عن عدد من رواد الحركة التشكيلية الذين رحلوا وتحدث عن محطات في مسيرة الفنان الراحل سعد العبيد واستعرض بعضاً من أعماله التشكيلية.
أما الأستاذ إبراهيم النغيثر فشكر بدوره أيضاً الجمعية ورئيسها د. منال الرويشد والقائمين عليها بما يقدمونه من بصمات واضحة للفن التشكيلي. وأكمل حديثه عن علاقته بالفنان الراحل سعد العبيد وعن الأنشطة والفعاليات التي كان يتواجد بها الفنان الراحل سعد العبيد وخص منها التي أقامتها الرئاسة العامة لرعاية الشباب كما تحدث عن الكثير من المواقف التي جمعتهم وقال إنه مهما تحدث عن الراحل سعد العبيد لا يستطيع أن يوفيه ولو جزءاً بسيطاً من حقه وقال أستطيع أن أختصر الكلام عن سعد العبيد بأنه شخص وثقافة وجمعية إنسانية خيرية فنية تشكيلية في شخص واحد.
كما كرَّمت الجمعية في اليوم الأول من فعالية «هي لنا دار» أبناء الراحل سعد العبيد.
سعد العبيّد كان الأب والأخ والصديق والمعلم، الغيور على الفن التشكيلي والفنانين، يحمل هموهم ويهتم بهم كما لو كانوا أفراد عائلته وأبناءه.
هو الداعم دوماً الحاضر في كل زمان المشجع والمحفز المتبني للمواهب، هو صاحب الفضل -بعد الله- لتنمية المواهب وتطوير ودعم الفنانين وعرض أعمالهم، هو من يعطي بالإيثار دروساً وعبراً، كان -رحمه الله- أثناء المعارض التي ينظِّمها همه الأكبر دعم فئة الشباب، يستقطب المقتنين لأعمال الشباب تاركاً خلفه أعماله علها تكون خطوة محفزة لهؤلاء الشباب ليستمروا بعطائهم ويطوروا إبداعهم.
كان الحريص دائماً حتى في إعطاء النصح للشباب أن يكون بأسلوب ترغيب لا أسلوب تنفير، فتح بيته ومرسمه ليكون منبراً فنياً للجميع يستقبل فيه الجميع دون أي حواجز أو قيود.
هو التاريخ والثقافة والفن، هو الموسوعة والمرجع بالفن، هو صاحب الرأي السديد وصاحب القلب الكبير.
رحم الله أباً رحل وبقي أثره نوراً يضيء وفناً يبهج القلوب وعطاء يترجم بيد كل من علمه أو تأثر به.
** **
- عبدالله عبدالرحمن الخفاجي