د. صالح بن سعد اللحيدان
لو أن رجلاً قال لك: حدث في هذا اليوم: كذا.. وكذا..، فلا جرم لن تصدقه حتى تتوثق وإلا فيبقى الأمر لديك مجرد خبرٍ يقبل: الصدق.. والكذب.
لكن هُناكَ من يقبل الخبر بل قد يُذيعه ويثبته ضربة لازب، وهُناك من يكذِّب الخبر فلا يراه، وهُناكَ من يزيد عليه بمبالغةٍ وتهويل، وهُناكَ من يتبناه ويؤسس عليه كتابًا ما، وهُناكَ من يفسره حسب الهوى، وقد يستعدي على صاحبه لكي يناله الأذى لاسيما من يحسد القائل من قريب، أو سفيه، أو أحمق.
هن هُنا نشأت عقولٌ ضاربةٌ في أعماق الموهبة الاستقرائية حماية لأخبار وروايات التاريخ وحماية لسياسة النَّص الدال على أمر معاملة أو عبادة أو خبر أو رواية يدلان على حادثة أو خبر كان قد حصل.
في هذه الفترة بين عام 71هـ حتى عام 455هـ ظهر علي بن المديني، ويحيى بن معين، وشعبة بن الحجاج، ويحيى بن سعيد القطان، وأيوب السختياني، وابن وارة، وعبدالرحمن بن مهدي، وأبو زرعة الرازي، وأبو حاتم، فتمّ ضبط روايات التاريخ وأخباره وقصصه فعمد كثير من الإخباريين ونقلة الروايات إلى تجهيل النقل وتجهيل العقل حتى يقبل ما يُقال له عبر السرد فعمدوا إلى مثل:
1- وحصل سنة كذا: كذا.. وكذا..
2- وذُكر لي أنه: كيت.. وكيت..
3- وقالوا.. وذكروا..
4- ووقع كذا في يوم كذا... إلخ.
لقد عمل كثير من كتبة التاريخ والأخبار إلى الهروب إلى العموميات وهم يعلمون أن ما نقلوه أو دونوه لم يثبت.
وقد صدَّق جُل الناس هذا لاسيما إذا كان اسم المؤرخ أو الإخباري مشهورًا بينما العقلاء من القراء لا يقبلون هذا حتى وإن كان المصنف مشهورًا حتى يعودوا إلى أصل: سند ورواة هذه الأخبار وكيف حصل عليها مثلًا: المسعودي، أو أبو الفرج الأصفهاني، أو الأزرقي، أو الثعالبي، أو الجاحظ، أو ابن عبد ربه، أو الكُليني، أو صاحب «حدائق الأنوار» البحراني... إلخ.
مشكلة كبيرة عزت العقل وغررت بالقلب الفطري ومن هنا غاب: [التفكير الناقد]، وغاب: [التفكير النزيه] فطفت الروايات المكذوبة.
1- طالع مثلًا: «تاريخ دمشق» لابن عساكر.
2- أو «تهذيب الكمال» للمزي.
3- أو «طبقات ابن سعد».
4- وانظر كذلك: «الضعفاء» للعقيلي.
واختر 100 رواية مما أورده صاحب «الأغاني»، أو البحراني مثلًا، أو الجاحظ، فسوف تُدرك هُنا أنك كنت في حال غياب: (التفكير النقدي)، وفي حال تلاعب العاطفة وخداع النفس وحب الراحة والروايات المسلية ولعلك إن كنت مُصَّنفًا كأديب، أو مُثقف، أو لغوي، قد استشهدت بروايات أو أخبار مكذوبة.
تأمل إذًا وانظر كيف أنت من قبل.. ومن بعد، من كان يظن أن (قبر آمنة بنت وهب) ليس بالأبواء، ومن كان يظن أن (عبدالرحمن بن مُلجم) ليس عربيًا، ومن كان يظن أن (ابن سبأ) ليس يمنيًا، فقبر (آمنة) ليس بالأبواء، (وابن مُلجم) ليس عربيًا بل من فارس (قم)، (وابن سبأ) من يهود المشرق سكن اليمن فقط.