د. أبو أوس إبراهيم الشمسان
حرف الجر الزائد أو الشبيه بالزائد هو ما لا يتعلق بعامل فيقيد معناه، نحو قوله تعالى {أليس الله بأحكم الحاكمين} [8-التين] فالباء لا تعلق لها بعامل ودخولها مثل خروجها تركيبًا فهي لا تغير من وظيفة اللفظ (أحكم) بعدها فهو خبر ليس، فاللفظ له حالة إعرابية هي الجر ووظيفة إعرابية هي الخبرية. وبمعنى آخر هو مجرور في اللفظ وهو في محل نصب.
وأما العلامة الإعرابية فهي قرينة باللفظ ولازمة له؛ فلذلك تظهر العلامة ما لم يمنع من ظهورها مانع كالتعذر أو اشتغال حرف الإعراب بحركة أخرى غير حركة البناء، أما ما يعرب إعرابًا محليًّا فلا مجال للعلامة فيه، قال عباس حسن «ويدخل في الإعراب المحلي عدة أشياء. أظهرها المبنيات كلها، والجمل التي لها محل من الإعراب، محكية وغير محكية، والمصادر المنسبكة، وكذا الأسماء المجرورة بحرف جرّ زائد»(1).
نجد في كتب النحو القديمة أن المجرور بحرف جر زائد يعرب بأنه مجرور اللفظ في محل رفع أو في محل نصب حسب الوظيفة الإعرابية له، فتكون حالته الإعرابية الجر ووظيفته الفاعلية أو المفعولية حسب التركيب، قال عباس حسن «لا بد من أمرين معًا في الاسم المجرور بالحرف الزائد؛ أن يكون مجرورًا في اللفظ، وأن يكون مع ذلك في محل رفع، أو نصب، أو جر(2)؛ على حسب مقتضيات العوامل، فله إعراب لفظي، معه آخر محلي، ففي مثل، {كفى بالله شهيدًا} تعرب (الباء) حرف جر زائدًا (الله) مجرور بها، في محل رفع؛ لأنه فاعل، إذ الأصل: كفى الله»(3).
ومن أمثلة الإعراب في الكتب المتقدمة قول ابن فرخون عند جر قبيلة عُقَيل بالحرف (لعل) كقول كعب بن سعد الغنوي:
فقُلتْ ادعُ أخرى وارفع الصوت ثانيًا ... لعَلَّ أبي المغوارِ منكَ قريبُ
قال «وإذا جَرّت على هذه اللغة: فمَجرورها في محلّ رفْع بالابتداء، لتتنزّل (لعلّ) منزلة الجارّ الزّائد، نحو: (بحَسْبك زيد)»(4).
وقول السيوطي «وَأما الْمَجْرُور فَإِن جُرّ بِحرف زَائِد فَلَا خلاف فِي إِقَامَته [مقام الفاعل] وَأَنه فِي مَحل رفع نَحْو (أحد) فِي قَوْلك: مَا ضُرِبَ من أحدٍ»(5).
وقول الصبان «اعلم أنه لا خلاف في إنابة المجرور بحرف زائد وأنه في محل رفع»(6).
وأما المحدثون فشاع عندهم إعراب المجرور إعرابًا تقديريًّا، مثال ذلك قول الشنقيطي عن (المبتدأ) «أما إذا دخل عليه عامل لفظي زائد فلا يخرجه عن كونه مبتدأ، نحو قوله جل وعلا: {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّه} [3-فاطر] هل: حرف استفهام، من خالقٍ: من حرف جر زائد، خالقٍ مبتدأ، كيف هو مبتدأ وقد سبقه عامل لفظي؟! نقول: هذا العامل حرفٌ زائد، وإن شئت قل: صلة أو تأكيد، وخالقٍ مبتدأ مرفوع ورفعه ضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد»(7).
والغريب توسع بعضهم في تقدير علامات الإعراب الحروف كما نجد عند أستاذنا عبده الراجحي، قال «هل من مخلصين يفعلون ذلك: من حرف جر زائد، مخلصين مبتدأ مرفوع بواو مقدرة منع من ظهورها اشتغال المحل بعلامة حرف الجر الزائد»(8).
فالمجرور بحرف جرّ زائد لم يعد في محل رفع كما هو عند القدماء بل هو مرفوع كما عند المحدثين، أي هو مجرور مرفوع.
ولا نعلم متى بدأت هذه الطريقة الغريبة؛ ولكنا نجدها عند الكافي(9)، قال في إعراب (رب رجلٍ صالحٍ لقيته) «رب رجلٍ: جار ومجرور... ورجل مجرور برب - لدخول حرف الجر عليه- لفظًا، مرفوع –لأنه مبتدأ- محلًا، لاشتغال المحل بحركة حرف الجر الشبيه بالزائد»(10).
والذي أراه صحيحًا في إعراب ما جرّ بحرف زائد أو شبيه بالزائد هو إعراب المتقدمين بأنه مجرور لفظًا في محل رفع أو نصب بحسب وظيفته الإعرابية، ولعل هذا ما رأى عباس حسن أن الأخذ به أنفع وأعم(11).
- - - - - - - - - - - - - - - - - - -
(1)عباس حسن، النحو الوافي، 1: 85.
(2)كون المجرور بحرف جر زائد في موقع جرّ مستحيل؛ لأن الجر إنما يكون بحرف مذكور أو بمضاف.
(3)عباس حسن، النحو الوافي، 2: 451.
(4)ابن فرخون، العدة في إعراب العمدة، 3: 224.
(5)السيوطي، همع الهوامع في شرح جمع الجوامع، 1: 587.
(6)الصبان، حاشية الصبان على شرح الأشموني لألفية ابن مالك، 2: 95.
(7)الشنقيطي، فتح رب البرية في شرح نظم الآجرومية، ص: 330.
(8)عبده الراجحي، التطبيق النحوي، ص: 33.
(9) رجح محقق الكتب صالح بن سليمان العمير أنه: حسن بن طورخان بن داود بن يعقوب الأقحصاري البسنوي المشهور بالكافي (ت 1025ه). انظر: شرح المعربات، تحقيق: صالح بن سليمان العمير (مركز البحوث 24، الآداب- جامعة الملك سعود/ الرياض، 1991م) ، ص 13، 15.
(10)الكافي، شرح المعربات، ص330.
(11)عباس حسن، النحو الوافي، 1: 85.