د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
** مزَّق المسؤولُ الكبيرُ أمامه الإنذار الكتابيَّ الوحيدَ الذي تلقّاه طيلة حياته العمليةِ، ومع يقينه ألّا قيمة له ولو لم يُلغَ إلا أن آثارَه ظلّتْ شاهدةً بما تصنعُه النفوسُ في ذويها من دروسٍ متاحةٍ للتعلم كما للتألم.
** لم ينسَ تفاصيلَ المشهد المشبهةَ لروايةٍ بائسةٍ ابتدأت خيوطُها صباحَ يومٍ ممتلئٍ بعملين متزامنين؛ محاضراتٍ لطلبته، والإشرافِ على منتدىً رسميٍ؛ فأكمل استعدادات الثاني وكلّفَ المناطَ بهم تنفيذُه، وتفقدَ التجهيزات والاستعدادات، وحاول الاعتذارَ عن الأول؛ فقيل له - ممن يملك الصلاحيةَ والمسؤولية المباشرة- ألّا يُشغل بالَه بغير مواده، وقد كان فيها ذلك الفصل: تحديدُ الاحتياجات التدريبية، والمُناخ التدريبي، وأساليبُ التدريب، وتقنياتُه.
** قدّم محاضرةً من ساعتين عاد بعدهما إلى مكتبه وإذا خللٌ فنيٌ مسَّ المنتدى لم يُعهد من قبلُ ولا من بعد، ولم يدرْ في ذهنه أنْ سيُحمّلُه من أذن له مسؤوليتَه، وحين استلم الإنذارَ تواصل مع القائد الكبير فمزّقه، وكأنّ شيئًا لم يكنْ، وهيهات.
** آمن -طيلة حياته – بمنطق البدائل – فبدأ في رحلة الانتقال من معهد الإدارة إلى جامعة الملك سعود، وأكمل إجراءاتِه المؤيَّدة من مجالس القسم والكلية والجامعة، والمتوجةَ بخطاب من مدير الجامعة لطلب نقل خدماته، فرُفضَ طلبُه وتعَطّل المشروعُ البديل.
** كان في آخر عشريناته حينها، ولم يدرْ بباله أن في الأوساط الأكاديمية منْ تسكنُه هواجسُ الإيذاء، وأيقن أن تقديرَه قد خذله، وعرف بعدها أن كيدَ المتعلمين والمثقفين أنكى وأقسى، واستعاد للقصيبي أبياتًا لم يطل العهدُ بنشرها آنئذ:
هذي المعاركُ لستُ أُحسنُ خوضَها
من ذا يحاربُ والغريم الثعلبُ
ومن المناضل والسلاحُ دسيسةٌ
ومن المكافحُ والعدوُّ العقربُ
تأبى الرجولةُ أن تُدنّس سيفَها
قد يَغلب المقدامُ ساعة يُغلبُ
** لا بُرآء في أيِّ جماعةٍ أو مجتمعٍ؛ فغازي - رحمه الله - حكى عن الوسطِ الأرقى والأقوى، والدكتور عبدالله الغذامي بسطَ القول فيما واجهه بجامعتين كبيرتين، وشيخُنا أبو عبدالرحمن ابن عقيل تحدث عن عواصفَ وقواصفَ أساءت إليه، وغيرُهم رسم غيرَها، وأشار صاحبكم في كتابه: (حكاية كرسي ثقافي- 2015م) لبعض ما لقيه، ولم يُفصّلْ، والقول ممتد بنماذج من السلوكاتِ المؤذية التي شهدَها أو شهد عليها بين فئامٍ يُظنُّ بهم العلوُّ، ويُضنُّ بهم على ما هو أقلّ.
** فينا من يعذرُ كما فينا من يَعتذر، ويذكرُ ثللًا لم يترددوا في طلب السماح، ومثلهم من سامحوا، ومن يحتسبُ ما يجده لن يُخذل، وفي الوسائط الرقمية اليوم من يُهدي عمله الطيبَ لسواه لأنه توهمَ أن الهذرَ سيُهدر، ولن.
** كان درسٌه الأهمّ أنْ حصَر علاقاتِ الوظيفةِ بمكانها وزمانها المحدودين، ولم يصطفِ من زمالات الإدارة والإعلام إلا ندرةً لا يُكملون أصابعَ اليدين، وظلتْ علائقه الأنقى مع أصدقاء العمر منذ صِباه حتى شاب فوداه.
** الخُلُقُ خَلقٌ لا اختلاق.