«اخفض صوت أفكارك السلبية؛ العقل يسمع.»
- عبارة كتبتُها قبل بضعة أشهر.
حين كنت في الثانوية العامة كان هاجسي الأوحد وحديثي الدائم علناً وسراً هو إكمال الدراسات العليا في الآداب العربية، فيما كانت صديقتي تطمح إلى افتتاح صالون نسائي باذخ، وثالثتنا كان هاجسها الزواج.
ما إن أنهينا الجامعة إلا وأتتني بشرى قبولي في برنامج الماجستير، وإذا بتلك تبشّرنا بافتتاح الصالون، والأخرى زفّت إلينا خبر زواجها.
هذا خبر يقين في حياتي الحقيقة، ليس رواية من الأساطير، ولا حكاية من تجارب أحد أصدقائي، وآنذاك -أي حين كنت في المرحلة الثانوية- كنت صغيرة جداً على فهم أن الأفكار التي يكتنزها الإنسان في عقله تتجلى وضاحة في حياته مع الأيام، لكن الأيام اللاحقة والمواقف حول هذا الأمر أثبتته لي دون سعي مني لاكتشافه؛ فإذا هو ينكشف أمامي بوضوح يجهر الأعين!
وما لفت انتباهي أن تحقق هذا الأمر على غير علم مني به في الثانوي فهذا يعني أنه يؤدي دوره كما تؤدي أعضاء الجسم أدوارها علم الإنسان بها أم لم يعلم، وهذا من الخطورة بمكان، ومن النعيم بمكان، فانظر ما غرسته من أفكار في عقلك وانتظر ثمارها في حياتك!
إلا أن هناك حدساً يملي علي أن الأفكار التي يقنع الإنسان نفسه بها عنوة لا تتسرّب في حياته، بل لا تتخلل إلى عقله وتطفح سيلاناً في أيام حياته إلا تلك الأفكار التي نفذت إليه بهدوء كرذاذ حبات الشمس التي كنا نتقافز تحت النافذة في الظهيرة لنمسكها، وتفلت منا، هي في الواقع تتخلل في أوسط عقل الإنسان، وما تفتأ إلا أن تحركه من الداخل كالروح التي تحرك هذا الجسد من الداخل فترفع بها يدك وتقدم بها قدمك، ومتى ما خرجت سقط جسدك متهاوياً وبعد بضعة أيام تلاشى.
أعلم أنك تتساءل الآن إذا كانت الأفكار التي أستجلبها عنوة لا تنقذ بي فتثمر حقاً، وأن ما ينفذ بي هي أفكار جاءتني على حين غرة، فماذا أفعل؟ أنا لست عالمة بالنفس لكي أعطيك الإجابة المطلقة، لكن ثمة إجابة مقيدة بتجربتي الشخصية: إن تيار الأفكار بشكل عام الذي يتوجه به الإنسان هو ما يولّد الأفكار الفرعية التي تتخلّل في العقل فتثمر، فإذا كانت نفس الإنسان متشائمة فإنه عادة ما يستقطب الشؤم في كل فكرة تطرق عقله قبل أن يعمل بها وما إن يعمل بها إلا ويصبح مقدماً عليها بأسبقية شؤمة، وعلى التفاؤل فقس.
على أن يدرك الإنسان أننا إذا ما أزحنا «الجينات» جنباً، فإنه ولد صافي العقل، فتيار التشاؤم والتفاؤل مكتسب، وبرأيي هو يكتسب في مراحل العمر الأولى مما يصعب تغييره لاحقاً، لكن الأهم ما دام مكتسباً إذن هو قابل للتغير، ومتى ما وجه الإنسان تيار فكره العام توجيهاً سليماً متى ما نفذ رذاذ الأفكار الإيجابية بهدوء إلى عقله وانكشفت بجلاء وضاح في مقتبل إيامه.
لا أريد من أحد أن يقف بالسياط رقيباً على أفكاره، فطفلك الذي تعنفه على المعرفة سيتعلم كل شيء إلا تلك المعرفة التي عنفته عليها.
تمدد تحت صفوة السماء، واكشف إليها روحك، وذرها تبعث إليك من شعاعها الصافي ما يتخلّل في عقلك، فيثمر يانعاً في آتي أيامك!
** **
- سراب الصبيح