حين نقول: «الكتاب يدل عليه عنوانه» فلا نعني ذلك حرفياً، لأنه لا يمكن لعنوان من كلمتين او ثلاث أن يعبر عن مضمون كتاب من مئات الصفحات، لكن لا بد أن يشير إلى المحتوى ولو من بعيد. وأقول (يشير) ولا(يفضح) المحتوى، لأن العناوين التي تكشف محتوى الكتاب تكون فجة مكررة تقليدية؛ تصرف القارئ عن الكتاب لأول وهلة، مع أنه قد يكون ممتعا ومفيدا.
وإذا كان التشويق من أهم مواصفات الرواية الجيدة، فكيف برواية عنوانها غير شيّق؟! إن العنوان هو أول ما يجذبك للكتاب، فإما أن تمتد يدك إليه فتقرأه أو تقتنيه، وإما أن تنفض يدك منه سريعا، مع تكشيرة لا حيلة لك فيها!. إنه العتبة الأولى التي لا بد من اجتيازها للولوج إلى النص، فإن كانت العتبة عالية أو مكسورة أو منفرة فإنها ستعيقك عن المضي قدما..
وتختلف الرواية عن الديوان الشعري في أن الأخير غالبا ما يشتمل على نصوص ذات موضوعات مختلفة، فمن النادر، ومن الصعب أن يعبر عنوان واحد عن مجموعة مختلفة المضامين. أما الرواية فيمكن إيجاد عنوان ينبئ عن محورها، أو يدل على الخيط الذي يجمع بين محاورها إن تعددت المحاور.
وغموض العنوان - ولا سيما في الرواية - جميل، لكن لا بد من وجود علاقة للعنوان بالمحتوى، يظل القارئ يبحث عنها حتى يجدها، والأفضل ألا يكتشفها إلا في الفصل الأخير..
وفي زماننا المادي هذا أصبح هدف بعض كتَّاب الروايات والدواوين الربح المادي، فاجتهد المؤلفون والناشرون في البحث عن عناوين تشويقية تسويقية، وويل للمؤلف إن اكتشف أن العنوان ليس إلا خدعة أو مصيدة، سواء أقصدها أم لم يقصدها!
وأظن البحث عن عنوان تشويقي تسويقي هو ما يجعل بعض المؤلفين - وبإيحاء أو ضغط من الناشرين - أن يختاروا عنوانا براقا جاذبا وإن لم يعبر عما احتواه الكتاب، وغالبا ما نرى هذا التوجه بين فئتين من المؤلفين.
الفئة الأولى هم الأكاديميون الذين ينشرون رسائلهم العلمية، فالرسالة غالباً ما يكون عنوانها طويلا شاملا للعناصر الرئيسة التي تشملها الدراسة، ولذلك لا بد من تلطيفه، لكنهم قد يتجاوزون التلطيف إلى التزييف، فيتخذون من أهم فصول الرسالة أو أكثرها لفتا لانتباه القارئ عنوانا للكتاب كله.
والفئة الثانية هم أصحاب المقالات الذين يجمعونها في كتاب، فيختارون أكثر المقالات إثارة فيجعلونه عنوانا للإصدار. وقد أشار إبراهيم مضواح الألمعي إلى هذه الظاهرة في كتابه (شرفة زرقاء على الأدب والحياة) بقوله: «عندما يجمع الكاتب مقالاته المتفرقة في كتاب ويختار له عنوان أحد مقالاته فإن الأمانة تقتضي أن يتبع العنوان بعبارة (ومقالات أخرى)، لأن القارئ المستعجل قد يتوهم أن الكتاب بتمامه يعالج موضوع العنوان، والواقع ليس كذلك».
يقول مصطفى لطفي المنفلوطي: «لقد جهل الذين قالوا إن الكتاب يُعرف بعنوانه، فإني لم أرَ بين كتب التاريخ أكذب من كتاب (بدائع الزهور) ولا أعذب من عنوانه، ولا بين كتب الأدب أسخف من كتاب (جواهر الأدب) ولا أرق من اسمه»!..
** **
- سعد عبد الله الغريبي