«دعونا لا نغفل عن الاختلافات بيننا» ..جون كينيدي
تؤكد هذه المقولة على أهمية أدراك الدبلوماسي أن الفروقات الثقافية من صميم عمله، فالعلاقة بين الدبلوماسية والثقافة وثيقة ولا يمكن الفصل بينهما بحكم أن الدبلوماسي ينتقل للعيش في بلد آخر أو يتعامل مع أشخاص من خلفيات ثقافية متنوعة. فالوعي بوجود الاختلافات الثقافية بين الأمم عامل مهم لنجاح الدبلوماسي.
فعلى الدبلوماسي أن يكون ذا علم ومعرفة ثقافية مصحوبة بمهارات التواصل الثقافي التي عرّفتها الدكتورة ديردروف بأنها السلوك الفعال والمناسب عند التواصل بين شخصين أو أشخاص عدة من ثقافات متعددة. فاكتساب السلوكيات الملائمة لتوقعات أهل الثقافة الأخرى يساعد على تحقيق النتائج المرجوة من عمل الدبلوماسي ما يؤدي إلى نجاح مهمته الدبلوماسية. لذلك فإن مهارة التواصل الثقافي تعتبر ضرورة للدبلوماسية، حيث إنها تعمل على بناء رؤية متعددة الثقافات وتثري وجهات النظر من منظور عالمي وتسهل التواصل مع الآخر المنتمي إلى ثقافة أخرى، وكذلك تعزز الروابط الإنسانية والنظر إلى القضايا الدولية من منظور اوسع.
أثبتت الدراسات أن أسلوب التواصل بين الأشخاص يتم تشكيلة من قبل ثقافاتهم. ففي الاجتماعات والمفاوضات الدبلوماسية، تصبح الاختلافات في التواصل اللفظي أو غير اللفظي واضحة. فاللغة بحد ذاتها لا تسبب إشكالاً ولكن المعنى الدلالي لها قد يسبب سوء الفهم أو التفسير غير الكامل أو الخاطئ. على سبيل المثال، استخدم دبلوماسي نمساوي من أصل روسي يتحدث إلى نمساوي من سالزبورغ المصطلح «إنه في دمه» في إشارة إلى سلوكه الأرستقراطي، ليشير إلى أن سلوكه قد تم تحديده مسبقًا من خلال نشأته. تم أخذ المصطلح حرفياً من قبل نظيره من سالزبورغ والذي أشار إلى أن دماء الأرستقراطيين وعامة الناس واحدة.
من هنا ندرك أن للثقافات مقاربات مختلفة لاستخدام اللغة ومدلولاتها ما يدعو إلى أهمية تعزيز التدريب الثقافي للدبلوماسيين سواء في المنظمات الدولية أو الإقليمية، وكذلك في الدولة المتوجه لتمثيل بلده بها. لذلك من الضروري أن يكون الدبلوماسي مضطلع بالمعرفة والمهارات الثقافية التي يحتاجها لنجاحه في مهمته الدبلوماسية.
فلا يخفى علينا أن القيم والمعايير الثقافية ليست متجانسة، حيث ينشأ الناس من دول مختلفة في مجتمعات مختلفة ما يؤدي إلى وجود ثقافات متعددة حول العالم. إن التأكيد على وجود اختلافات الثقافية أمر لا جدال فيه، مع احتمال أن تؤدي إلى سوء الفهم، ومشاكل في التواصل، وخلق علاقات قد تكون صعبة، وهذا ما يجب أن يتلافاه الدبلوماسي. علاوة على ذلك، هناك أيضًا اتفاق عام على أنه عند زيادة الفهم الثقافي عند الدبلوماسيين، واكتسابهم المزيد من الخبرات الإيجابية للثقافات الأخرى، فإن المعرفة والفهم ستزداد، مما يدعم علاقات أكثر انسجامًا.
وتماشياً مع رؤية وزارة الخارجية التي تنص على تشجيع الحوار الثقافي مع العالم وتعزيز مكانة المملكة الدولية، أدعو لتصميم وتقديم برنامج تدريبي مخصص للدبلوماسيين السعوديين العاملين في المنظمات أو الهيئات الدولية ذات الطابع الثقافي المتعدد، وكذلك الدبلوماسيين المعينين في بعثات المملكة في الخارج لتنمية مهاراتهم في التواصل الثقافي لتجنب الإشكالات الناجمة عن الاختلافات الثقافية.
يساعد هذا البرنامج التدريبي الثقافي الدبلوماسيين على تعزيز المعرفة والقدرات الثقافية والتي بدورها تخلق فرصًا أفضل للتفاعل الناجح مع أقرانهم من الثقافات الأخرى. ويعمل على إعداد دبلوماسيين ذوي مهارات ثقافية للمشاركة والتفاوض والقيادة واتخاذ المبادرات في محيطهم لمساعدة الآخرين على معرفة الصورة الحقيقية للمملكة. يساعد هذا البرنامج التدريبي الدبلوماسيين على:
• التعرف على تأثير الثقافة على القيم واتخاذ القرارات.
• تحدى الصور النمطية عن المملكة.
• تجنب الإشكالات التي قد تحدث نتيجة الاختلافات الثقافية.
• زيادة مستوى الوعي بخصوص الاختلافات الثقافية.
• توسيع وجهات نظرهم حول القضايا الدولية.
• اكتساب الفهم حول كيفية التواصل بشكل فعال ومناسب.
• تطوير مهارة التواصل الثقافي والمعرفة الثقافية اللازمة ليصبحوا دبلوماسيين نشطين مدركين لكل القضايا الدولية من منظور ثقافي.
تنبع أهمية البرنامج في تمكينه الدبلوماسيين بدءاً من تطوير مهارات التواصل الثقافي وصولاً إلى فهم الاختلافات الثقافية. وتتمثل مهمة البرنامج في تعزيز وتسهيل التدريب الثقافي. وأن يكون من أهداف البرنامج:
• رفع مستوى الوعي بالقضايا الدولية التي تنشأ في سياق متعدد الثقافات.
• تسهيل التواصل مع الدبلوماسيين الآخرين المختلفين ثقافياً.
• تطوير مهارات التواصل بين الثقافات.
بذلك يساعد في تمكن الدبلوماسيين السعوديين من العمل معًا لتحقيق الأهداف بشكل جمعي والمتمثلة في تطوير دبلوماسيين مؤهلين ثقافيًا للعمل على إيصال وإبراز وجهة النظر السعودية في المحافل الدولية أو في مقار البعثات السعودية في الخارج متجنبين سوء الفهم الناجم عن الاختلاف الثقافي.
وسيكون هذا البرنامج تحقيقًا لإحدى برامج الرؤية 2030 ألا وهو برنامج تنمية القدرات البشرية الذي يهدف إلى تحسين مخرجات منظومة التدريب للوصول إلى المستويات العالمية، ولتواكب مستجدات العصر ومتطلباته وتتوائم مع التنمية واحتياجات سوق العمل المتسارعة والمتجددة. ما يعزز من كفاءة الرأسمال البشري تأكيدًا على ريادة المملكة إقليمياً وتنافسيتها دولياً.
** **
د. فارس سليم اللحياني - دكتوراه في اللغويات التطبيقية مستشار ومدرب في التواصل الحضاري