اللُّغة من مكونات الإنسان الاجتماعيَّة، إذ لا إنسان دون لغة، ولا لغة دون إنسان، وكذلك لا مجتمع دون اللغة، ومن هذا المنطلق رسم الجاحظ في البيان والتبيين المنهج اللُّغويّ الَّذي يجب أن يكون عليه الإعلاميّ، قائلاً: «وهم المتكلمونَ تخيروا تلك الألفاظَ لتلك المعاني، وهم اشتقوا لها من كلامِ العربِ تلك الأسماء، وهم اصطلحوا على تسميةِ ما لم يكنْ له في لغةِ العربِ اسمٌ، فصاروا في ذلك سلفاً لكل خلٍف، وقدوةً لكلِ تابعٍ».
وقد حدّد بعض اللُّغويين تعريفات للُّغة تحمل صبغة إعلاميَّة، منها:
تعريف ابن جنّيّ ذاك التَّعريف الجامع المانع، ونصَّه: (أصواتٌ يعبرُ بها كلُّ قومٍ عنْ أغراضِهم)، ويقول الخفاجيّ: (عبارةٌ عمَّا يتواضعُ القومُ عليه من الكلامِ) وذكر ابن خلدون تعريفاً للغة ذا صبغة اجتماعيَّة منطلقه الجانب الإعلاميّ في جميع صوره، قائلاً: (عبارةٌ عمَّا يتواضعُ القومُ عليه من الكلامِ).
وعلى هذا سار اللُّغويون الغربيون، إذ نلحظ أنَّ تعريف (دي سوسير) يتمركزُ في ثلاثةِ جوانبَ، هي:
1- نتاجٌ اجتماعيٌّ لمَلَكةٍ لسانيَّةٍ 2- مجموعةٌ من التقاليدِ الضروريَّةِ الَّتي تبنَّاها المجتمعُ 3- تساعدُ أفرادَ المجتمعِ على الاستفادةِ من هذه المَلَكةِ؛ لأنَّ الرابطَ بينَ اللُّغةِ والمجتمعِ هو الإعلامُ 4- اللغة الإعلامية تتكوَّن من ثنائيَّة المجتمع واللُّغة.
وعلى هذا، لا بدَّ أن نبرز القاعدة الَّتي تنصّ على أنَّ اللُّغة مستوياتٌ، وأنَّ كلَّ علمٍ مرتبطٍ في المجتمعِ فهو متفاوت؛ لأسبابٍ منها:
أ- صنعُ المجتمعِ ب- الثقافاتُ المتنوعة ج- التقاليدُ والعاداتُ والقيمُ.
* ثمّ أنَّ اللُّغة علامات إعلاميَّة منطوقة تبرز غرض المتلقي أو الملقي وقد نصّت التعريفات الحديثة للغة ومن ذلك تعريفُ الموسوعةِ البريطانيَّةِ: نظامٌ من الرموزِ الصَّوتيةِ، وتعريفُ دائرةِ المعارفِ الأمريكيَّةِ: نظامٌ من العلاماتِ الصَّوتيَّةِ الاصطلاحيَّةِ، وتعريفُ جسبرسن: (إنَّ اللُّغةَ يُنظرُ إليها عنْ طريقِ الفمِّ والأذنِ، وليس عن طريقِ القلمِ والعينِ).
وهذا يُظهرُ لنا أن اللُّغةَ المنطوقةَ هي الأصلُ في اللُّغة والإعلام؛ لأنَّها تحملُ الإشارات والإيماءات والنبر والتنغيم، الَّذي يفتقده بعض الإعلام، وتحتوي على أسلوب الإقناع عن طريق الموقف المشاهد المسموع، والحجج والبراهين، ولغة الجسد، واختيار العبارات الواضحة، واللُّغة الفصحى الرصينة المسموعة في المواقف الثقافية.
ومن هذا، اللُّغةُ الإعلاميَّةُ هي اللُّغةُ الثالثةُ بينَ الفصحى والعاميَّةِ، الَّتي تواكبُ التطورَ الاجتماعيَّ والمعرفيَّ لبنيةِ الحضارةِ العربيَّةِ؛ واللُّغةُ الإعلاميَّةُ تسيرُ على غيرِ المألوفِ.
ويجب أن تجيب اللُّغة الإعلاميَّة على الأسئلة الآتية؛ لكي تحقق مبتغاها:
ماذا تقولُ ؟ وكيف تقولُ؟ ولمن هذا القول؟
وهذه الإجابات تحقق صلة الإعلامِ باللُّغة ِوهي صلةُ اللُّغةِ بالحياةِ، وعلى هذا، فإنَّ تعريف الإعلام الأمثل هو: اللُّغةُ في علاقاتِها الاجتماعيَّةِ.
ولتحقيق هدف اللُّغة الإعلاميَّة لابد أن تتوافرَ فيها المستوياتُ اللُّغويَّةُ الآتية:
الوضوح - المعاصرة - المناسبة - الجذاب - المختصر - المرن - المتطور
وكذلك معرفة الحدود اللُّغويَّة بين المستويات: المستوى العلميّ- المستوى الرسميّ - المستوى الخطابيّ- المستوى الاستشاريّ (الحواريّ) - المستوى العاديّ - المستوى الوديّ (الحميميّ).
ولكي تصلَ الرسالةُ الإعلاميَّة يجبُ أن يتحدَ الحقلُ الدِّلاليُّ بينَ المرسلِ والمستقبلِ بما في ذلك اللُّغةِ، من خلال:
- الدقةُ في تحديدِ المرادِ.
- تنطوي تحتَ إطارِ الفصحي.
- المعنى الدقيق.
- العلاقةُ دقيقةُ.
- اختلاف العبارات يُوجب اختلاف المعاني.
وتطبيق نظرية العناية والاهتمام مطلب في اللُّغة الإعلاميَّة المعاصرة، ومن تطبيقات النظرية (سارَ زيدٌ مسرعاً) حيث (الاهتمام في المثال موزَّع بينَ الأطرافِ الثلاثةِ) أمَّا (مسرعاً سارَ زيدٌ) فالاهتمامُ مركَّزٌ على الطرفِ الأوَّلِ، ويحكم ذلك ثنائيَّة المقام والسياق.
كذلك بناء اللُّغة حسب نوع الرسالة من أهم محددات نجاح اللُّغة الإعلاميَّة المعاصرة، ومن الأنواع:
- رسالة استفهاميَّة تفسيريَّة.
- رسالة وصفيَّة.
- رسالة قصصية سرديَّة.
- رسالة حواريَّة.
- رسالة إخباريَّة.
- رسالة استشهاديَّة برهانية.
كذلك من المحددات اللُّغويَّة لنجاح اللُّغة الإعلاميَّة معرفة الفروق المعنويَّة بين الأساليب والكلمات، مثل:
* الفرق بين (ما) و(ماذا).
* الفرق بين (لن) و(لم) و(لمَّا).
* الفرق بين (هل) و(الهمزة).
* الفرق بين الكلمات الَّتي (لها واقع خارجي) واَّلتي (ليس لها واقع خارجي).
* تحويل الجملة الواحدة إلى أساليب متنوعة حسب المعنى.
وتطبيق هذه المحددات يؤدي إلى تحقق وظائف اللُّغة الأساسية - عنوانها الوظيفة الإعلاميَّة - كالوظيفة التعبيريَّة، والتواصليَّة، والتفاهميَّة.
** **
- د. فهد المغلوث