زكية إبراهيم الحجي
نوعان من الشر لا يختلف العقلاء على موضع الشر فيهما ومع ذلك فقد طبعا تاريخ البشرية ولازماه الحرب.. واستعباد الإنسان للإنسان فمهما تقدم الإنسان وارتقى تبقى الحروب ويستمر استغلال البشر.. لم تكن هذه العبارات سوى توطئة لما شهده العصر العباسي من ازدياد كبير في أعداد الإماء والجواري.. وترجع هذه الزيادة المفرطة في أعدادهن لأسباب عدة منها كثرة الحروب التي خاضتها الدولة العباسية طوال فترة حكمها.. فكانت الإماء والرقيق تصل إلى المجتمع العباسي عن طريق الأسر أو الشراء، حيث سادت تجارة الرقيق بشكل لافت في عصر الدولة العباسية ورافق هذه التجارة أن كانت هناك أسواق لبيع الجواري اللاتي يختلفن في المنشأ والتربية والتعليم مما أدى إلى تمازج ثقافات مختلفة وثرية في الفكر والأدب وفي معرفة أمور الحياة من بيئات غير عربية.. يُضاف إلى ذلك حالة من الترف والرخاء والثراء والرفاهية التي كانت طاغية في العصر العباسي.. والحقيقة أن الرخاء الاقتصادي الذي تميز به العصر العباسي كان وراء الحاجة المتكررة إلى اقتناء الإماء والقهرمانات علماً أن تنشئتهن وتعليمهن في ذلك العصر تعتبر من أبواب الكسب المادي.
ونظراً للحس المرهف بالجمال والإدراك الرقيق لنواحي الفن والإبداع الأدبي بشقيه النثر والشعر الذي تجلَّى في العصر العباسي ونظراً لتَميّزِ ذلك العصر بكمٍ من فطاحل الشعراء أمثال بشار بن برد وأبو تمام.. ومسلم بن الوليد الملقب بصريع الغواني وغيرهم كل ذلك أدى إلى تعلق وارتباط الكثير من شعراء العصر العباسي بالقيان والجواري وقلما يلمع شاعر إلا وله جارية أو أكثر.. لقد كان عشق القيان في ذلك العصر مظهراً من مظاهر تحسس الجمال.. ومن بوابة الشعر وارتباط الجواري والقيان بأغلب شعراء العصر العباسي ولأن الشعراء اتخذوا من قصور سلاطين العصر العباسي ميادين لإبراز قدراتهم الشعرية ومنابر يتسابقون للظفر بها وإطلاق قصائدهم وبخاصة قصائد المدح والغزل فإن القيان والجواري استطعن أن يجدن طريقهن بين جدران وأروقة القصور العباسية والتاريخ خير شاهد على حكايات تُروى عن علاقتهن بسلاطين العصر العباسي وكيف كانت حياتهن في البلاط العباسي.
ظاهرة الجواري والقيان في المجتمع العباسي كانت لافتة.. واللافت أكثر أنهن استثمرن أوضاعهن في القصور العباسية فصعدن السلم الاجتماعي ولعبن أدواراً مهمة ومثيرة في الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية ولعل المشاركة في الشؤون السياسية كانت الأبرز أما دورهن في الحياة الثقافية فقد تميزن في مختلف ألوان الفنون والآداب خاصة الشعر ومنهن على سبيل المثال «عُريب المأمونية» جارية المأمون تعتبر من أشهر جاريات العصر العباسي فقد كانت شاعرة مجيدة فصيحة اللسان بارعة في نسج قصائدها.
لا شك بأن التطورات التي طرأت على العصر العباسي وتطور الحياة فيها جعلت الفنون الأدبية شعراً ونثراً تتطور ليبدع شعراء وكتَّاب ذلك العصر أيما إبداع.