أ.د.عثمان بن صالح العامر
مما منّ الله به على الإنسان قابلية التشكل اللغوي، والقدرة على اكتسابها والتحدث بها، واللغة أياً كانت عربية أو إنجليزية أو فرنسية أو عبرية أو... ملازمة للإنسان منذ نعومة أظفاره وحتى نهاية عمره غالباً، ومما قدره الله سبحانه وتعالى اختلاف الألسنة وتباين اللغات وتعدد اللهجات، وقد لعبت الترجمة من لغة إلى أخرى دوراً رئيساً في التواصل الحضاري والتلاقح الثقافي عبر التاريخ البشري كما هو معلوم.
الثلاثاء الماضي وصلتني عبر البريد الالكتروني دعوة عامة من قبل مؤسسة معرفية خليجية مرموقة ومشهورة جداً لحضور حلقة نقاشية إلكترونية عبر (زووم) عنوانها (الترجمة من اللغة العربية وإليها: التحديات والفرص)، وموعدها أمس الخميس المنصرم 30 سبتمبر، بمناسبة اليوم الدولي للترجمة. ولكوني جديداً في عالم الأيام العالمية، ولأنني بصدق أول مرة يمر علي هذا اليوم فقد ذهبت أبحث عنه في Google لأتعرف عليه وأتبين ماهيته.ووجدت فيما وجدت أن هذا اليوم العالمي مناسبة يحتفل بها كل عام في يوم 30 سبتمبر في عيد القديس جيروم مترجم الكتاب المقدس الذي يعتبر قديس المترجمين. ويرعى هذه المناسبة الاتحاد الدولي للمترجمين الذي تأسس عام 1953م. وفي عام 1991م أطلق هذا الاتحاد فكرة الاحتفاء باليوم العالمي للترجمة كيوم معترف به رسمياً، وذلك لإظهار تعاضد المترجمين في جميع أنحاء العالم ولتعزيز مهنة الترجمة عالمياً.
الجدير بالذكر أن القديس جيروم كان كاهنًا من شمال شرق إيطاليا، وهو معروف في الغالب بمحاولته ترجمة معظم الكتاب المقدس إلى اللاتينية من المخطوطات اليونانية للعهد الجديد. كما ترجم كذلك أجزاءً من الإنجيل العبري إلى اليونانية. وكان من أصل إيليري ولغته الأم كانت اللهجة الإيليرية. وتعلم اللاتينية في المدرسة وهو يجيد اللغة اليونانية والعبرية، التي حصل عليها من دراساته وأسفاره. توفي جيروم بالقرب من بيت لحم في 30 أيلول/سبتمبر من عام 420.
ولما له من أثر لدى النصارى في باب الترجمة محل الحديث فقد قررت الأمم المتحدة منذ عام 2005م أن تدعو جميع موظفيها وموظفي البعثات الدائمة المعتمدين والطلاب من جامعات شريكة مختارة للمنافسة في (مسابقة القديس جيروم للترجمة في الأمم المتحدة)، وهي مسابقة تكافئ أفضل الترجمات باللغات العربية والصينية والإنجليزية والفرنسية والروسية والإسبانية وكذلك الألمانية، وتهدف إلى الاحتفال بتعدد اللغات وتسليط الضوء على الدور المهم للمترجمين وغيرهم من المتخصصين اللغويين في الدبلوماسية متعددة الأطراف.
والسؤال هنا: أين نحن من خارطة الأيام العالمية عموماً ومثل هذا اليوم على وجه الخصوص؟، وما هو الواجب نحو هذا اليوم وجذوره ومنطلقاته؟، دمتم بخير وإلى لقاء والسلام.