د. محمد بن صقر
هل الجهل له وظيفية؟ وماهي مواصفات ومتطلبات تلك الوظيفية؟ إن من كتب في الجهل وعلم التجهيل كثيراً باعتباره قديماً في الممارسة حديثاً في الصناعة والاستخدام فمن كانوا ضحاياه لما يدركوا أنهم في فلك الجهل عائمون ومن يمارسه حالياً يدرك أنه أحد الأساليب الأساسية والإستراتيجيات لتحقيق كثير من الأشياء والمقاصد الاقتصادية أو السياسية أو الاجتماعية فمنهم من تناول الكيفية التي يتم فيها هندسة الجهل ليكون أسلوباً للاستفادة منه، فالجهل قد يبنى كمنتج معرفي له أهدافه وإستراتيجيات انتشاره ومن ثم يتم توظيف كثير من الجماهير التي تستحسن هذا المنتج لأنها ترى فيه إثباتاً لكيانها وسبيلاً لتحقيق رغباتها في كثير من المجالات، فوظيفة الجهل بكل بساطة تكمن بالدخول في معترك وصراع مع أطروحات المعرفة والعلم، فالجهل هو عدم العلم بالشيء مع اعتقاد العلم به وإنكار الجهل به تماماً، فهو جهل مركب يجهل مستخدمه جهل نفسه قبل أن يجهل جهله بالشيء، وهذا أخطر إذ إنه لا يسعى لتعلم ما يجهل، فهو يعتقد أن ما لديه هو الصواب, فلا يقبل غير ما يرى بل يجادل عنه وربما أذاعه بين الناس وبحسب الكاتب الأمريكي فرانك كلارك أن السبب في انتشار الجهل في أن من يملكونه متحمسون جداً لنشره. وهذا هو سر قوة الجهل وتأثيره فهو يكمن بالانتشار والسيطرة التامة بين الجماهير وهذا الأمر يقودنا لأمر في فهمنا لطبيعة الجهل ووظيفته التي يتم استخدمها لتوقف الشعوب عن التقدم والتحضر والابتكار بل قد تكون إستراتيجية التقدم لديها نحو التخلف باعتقاد منها أنها في مسيرة التقدم، أن هندسة الجهل ووظيفة الجهل الحقيقية تكمن بعدة أمور لعل أبرزها أولاً: خمولية العقل والتفكير وأقصد هنا أن العقل لا ينشط إلا من خلال نقل فكرة دون التمعن في صحتها أو حتى مناقشتها أو تطويرها فتجد بعض الشعوب يعيش على بدائيات المعرفة والتعلم التي ورثها من تاريخه السابق على الرغم من أن عنده مقومات وممكنات التطور المعرفي، ولعل قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام أوضح صورة حين حاور قومه في الإله الذي يعبدونه وأطلق عقله لتفكير في من خلق الكون. ثانياً: محاربة التغير والتغيير فالأصل بالإنسان هو الديمومة وبناء التطور والإعمار في الأرض في شتى المجالات وهذا هو ديدن الشعوب المتقدمة وإلا لما وصلت الشعوب والدول إلى بناء حضارات وتاريخ وتقدم في الحجر والبشر، ولكن وظيفية الجهل هي رفض المعرفة وأدواتها ورفض تحريالعقل من قيود السبات. ثالثاً: من وظائف الجهل هو التشكيك بكل ما هو جديد وعدم الاقتناع وهذا الأمر ليس قائماً على المعرفة أو براهين وإنما مستند على خمولية العقل والخوف واستخدام سياسة البقاء في الأرض المحروقة وعدم الإبحار في العالم المجهول. هذه الوظائف تقابلها إستراتيجيات تغذيها وتستفيد منها لتحقيق مكاسب اقتصادية أو اجتماعية أو سياسة، وتمكن الإستراتيجيات في ثلاثة عناصر محورية للاستفادة من وظيفية الجهل أولها: صناعة الخوف لدى الآخرين. ثانياً: بناء عدم اليقين والتشكيك في كل ما هو من شأنها التغيير أو التطور ويتم توظيفه غالباً في القطاع الاقتصادي، وهذا بالتحديد منهج الكثير من الشركات. وهذا ما قامت به شركة كوكولا بعد هبوط مبيعاتها واستخدامها الأبحاث والدراسات وإعطاء نتائج تتناسب مع سياسة الشركات، وأصبح كثير من الشركات تقدم نتائج دراسات علمية قد تكون مدفوعة الثمن كمقدمة لطرح منتجها للجماهير. ثالثاً: صناعة الحيرة والبقاء في سيل التردد والتشتت من خلال كثرة الرسائل وطرق طرحها حتى يتجه العقل إلى مرحلة الخمول وبتالي سهولة انقياده للأهداف التي وجدت من أجله, أخيراً لابد لنا بعد معرفة الجهل ووظيفته هو الاستثمار الأمثل في بناء بنية العقل والتفكير حتى يمكننا أن نصنع مفهوم التقدم والمعرفة.