م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
1. هل تأثرت صناعة المحتوى بعد دخول التقنية؟ هل أثرت التقنية على بناء النص التقليدي؟ هل سَرَّعت التقنية في إنتاج النصوص وصناعة المحتوى.. هل دعمت النصوص الضعيفة وسهلت تحسينها بالمؤثرات والمكملات الإخراجية والأدائية من حركة وصوت؟
2. لا شك أن التقنية أثرت على المحتوى وصناعته، بل وأثرت على صانع المحتوى.. فالتقنية سهلت الانتشار فلم يعد عليك الذهاب لشراء المحتوى، بل هو يأتيك.. وخدمت صانع المحتوى، حيث أوجدت له قناة جديدة للوصول لشريحة القراء المستهدفة.. ولأن التقنية مرتبطة بالسرعة فقد تعلم صانع المحتوى أن عليه التعامل مع قارئ متعجل.. يقدم له ما يريد بسرعة وفي كبسولة واحدة متماسكة بعيداً عن الهوامش أو الاستطرادات والإحالات.. أيضاً خدمت التقنية صانع المحتوى في أنه أصبح غير ملزم بالتعامل مع ناشر يوصل محتواه وأصبح في مقدوره الوصول من خلال موقعه الشخصي.. وهذا قلل التكلفة عليه ووسع انتشاره وسهل وصوله.. لقد أتاحت التقنية لصانع المحتوى أن يكون هو الناشر لنفسه.
3. التقنية حدت من تحكم الناشر في الذائقة العامة وتوجيهها.. فقد وفرت للجميع المساحة والسهولة والمرونة في أن كل من لديه محتوى يمكنه نشر محتواه إلكترونياً عبر مدونته الشخصية.. ولا شك أن هذه السهولة أتاحت للكل النشر وبالتالي امتلأ الفضاء الإلكتروني بالغث والسمين.. الأكيد أن التقنية سهلت للجميع النشر إلا أنها لن تصنع المحتوى بذاتها أو تُجَوِّده لكنها تقدمه بأدوات جديدة فقط لا غير.. بمعنى أن التقنية ربما تغير في شكل المحتوى لكنها لا يمكن أن تؤثر على الجودة أو على الذائقة.. فهي وسيلة ناقلة وسيبقى النص الجيد جيداً والرديء رديئاً مهما كانت الوسيلة الناقلة.. أيضاً التقنية لا يمكن أن تؤثر على ذائقة المتلقي.. نعم سيكون تلقيه أسرع وشكل التلقي مختلفاً.. لكن الذائقة أمر آخر يخضع التأثير عليها إلى عوامل داخلية وليست خارجية.
4. التقنية وعاء لكنه وعاء ذو مواصفات خاصة أثرت على الشكل من ناحية عدد الكلمات.. وذات سمات خاصة أثرت على الأسلوب.. وتستفيد من وسيلة إلكترونية أثرت على السرعة وسهلت الوصول إلى المستهدفين من المتلقين.. ويمكن الاتصال بها من أي مكان وفي أي وقت.. كما يمكن تحميل النص على الشبكة وإرساله من أي جهة.. فلا ارتباط لها بناقل أو ناشر أو موزع أو مكتبة.. فكل فرد لديه جهاز هاتف ذكي يمكنه إرسال أو استقبال المحتوى.. تلك الصفات والسمات والوسائل غير المتوافرة في النشر التقليدي سيكون لها حتماً تأثير على المحتوى من ناحية اللغة والتصوير والرمزية.
5. التقنية بقدر ما خدمت المحتوى وخدمت صناعته إلا أنها أيضاً فتحت المجال للمحتالين والمزورين والكاذبين الذين يمكن أن يضخوا كمية مهولة من المعلومات الكاذبة في مواقع إلكترونية فيها بهتان وكذب وإساءة لأشخاص أو أعراق.. أيضاً سمحت التقنية للمتلقي الذي يسيء الفهم أو الظن بالقفز والتعليق الفوري على المحتوى فيثير العامة ويؤلب الحكومات والمجتمعات ضد صانع المحتوى.
6. لو لم يكن للتقنية سوى تسهيل النشر، وفتح قناة جديدة للمبدع، والسرعة في الوصول للمتلقي ومن ثم تلقي ردة فعله، وإمكانية التعديل والتطوير والتصحيح إن لزم، وفتح المجال الأوسع للاطلاع على تجارب أكبر وأشمل محلية وعالمية تجعل من كل سيئات التقنية المحتملة مقبولة.. فالجوانب الإيجابية من التقنية على المحتوى وصانعه، بل وعلى المعرفة والإبداع بعمومها يفوق وبمراحل كل المساوئ المحتملة منها.