عبدالوهاب الفايز
إذا وضعنا الحديث الآن في سياق الأماني، فأهم أمانينا الحالية والمستقبلية نجاح (برنامج القدرات البشرية). هذا البرنامج الذي اطلقه سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، يحفظه الله، قبل أسبوعين ضمن برامج (رؤية المملكة 2030)، من البرامج الإستراتيجية الإيجابية على مجمل النشاط الاقتصادي، والأهم انه سوف يضعنا في المسار السليم لبناء (المواطن الايجابي المنتج)، وهذا أهم المكتسبات لبناء مقومات الجبهة الداخلية.
من يطلع بتوسع في وثيقة البرنامج يقف بشكل سريع على أمور حيوية تحتاج التوسع في نقاشها وتداول الرأي حولها حتى تنجح (إدارة الاتصال والتغيير) لهذا البرنامج. من الأمور التي نستنتجها من الوثيقة أن تطبيق البرنامج ربما لا يحتاج أموالا ونفقات ضخمة. فكما أشرنا الأسبوع الماضي إلى مشروع رياض الأطفال، فبيدنا تحقيق هذا المشروع إذا استثمرنا الفراغات المهدرة في المساجد.
وفي غير قطاع المساجد، التفكير العميق سوف يأخذنا لاكتشاف فرص متاحة في جوانب عديدة، فنجاح هذا البرنامج مرهون بقدرتنا على إعادة هندسة عمليات الحكومة وتطوير التشريعات والنظم، وتفعيل الشراكة مع القطاعين الخاص والأهلي، وأيضاً الأهم: الاهتمام باستقرار مكونات الأسرة السعودية المحاصرة بظروف صعبة، بالذات تمدد ساعات العمل وإدمان السهر!
في تشخيص الوضع القائم جاء في الوثيقة أمور خطيرة وصريحة، فقد أشارت إلى (انخفاض مشاركة أولياء الأمور في تعليم أطفالهم، والآن نسبة 39% فقط من أولياء الأمور يناقشون مستوى أبنائهم مع المعلمين)، وهذا سبب لانخفاض التحصيل الدراسي. أيضاً وجدت محدودية الإرشاد والتوجيه في العملية التعليمية، وأيضا ضعف في تطبيق قواعد السلوك، فقد ارتفعت نسبة غياب الطلاب وتأخرهم عن حضور اليوم الدراسي نتيجة لمحدودية العلاقة الإيجابية بين الطلاب والشعور بالانتماء المدرسي.
وأشارت إلى أمر مزعج وهو: (وجود ظاهرة التنمر كشكل من أشكال الإيذاء والإساءة اللفظية أو الجسدية بين طلاب المدارس في المملكة، في ظل ضعف وعي الطلاب بقيم التسامح والانضباط والإيجابية ومحدودية الأنشطة الثقافية والمناهج التوعوية والقدوات الرائدة في المدارس بالإضافة إلى عدم كفاية توجيه الأهل لأبنائهم). أغلب هذه الجوانب السلبية تعود إلى ضعف مشاركة الأسرة السعودية في مشروع التعليم والتربية الوطنية. فالأسرة شريك أساسي لإنجاح برنامج بناء القدرات البشرية إذا ساعدناها للقيام بدور الحاضن والقائد للتنشئة الاجتماعية، وتفعيل القطاع الثالث لتعويض النقص الذي لا تستطيع الأسرة القيام به.
من الأمور الإيجابية في مبادرات البرنامج التركيز على بناء وتهيئة الظروف والإمكانات المادية والبشرية لرفع كفاءة التعليم، وبناء الاتجاهات الإيجابية المحبة للمعرفة بحيث يكون التعلم تجربة حياة ورحلة مستدامة، والذهنية المنفتحة على التعلم من تجارب الحياة هي التي تؤسس للذهنية العلمية الموضوعية، والإنسان الذي يرى الحياة أنها تجربة انسانية ثرية بالفرص والتحديات يكون أكثر استعدادا للتعايش ومرنا في الاستجابة لظروف الحياة وتقلباتها، مما يجعل المشاكل والمصاعب تصبح فرصة للدراسة والتأمل والتعلم والتطوير والتغيير للأحسن والافضل. من ضمن القيم التي سوف يُبنى عليها البرنامج، قيمة (المرونة)، والهدف منها تدريب الطلاب على (بناء القدرة على التكيف عند مواجهة تحديات ومتغيرات الحياة والتغلب عليها والبحث عن الفرص واستثمارها دون فقدان الحماس).
من الأمور التي تطرقت لها وثيقة برنامج القدرات البشرية تحديات قائمة يواجهها التعليم العالي والتدريب التقني والمهني وتقلل من جاهزية الشباب لمتطلبات سوق العمل المستقبلي المحلي والعالمي وتمكينه من تحقيق الطموح والابتكار وريادة الأعمال. من هذه التحديات الحالية: ضعف مواءمة مخرجات التعليم مع متطلبات سوق العمل المتنامية، واستمرار الالتحاق في التخصصات والدرجات العلمية غير المطلوبة في سوق العمل، إلى جانب قلة الخبرة العملية المهنية والتطبيقية في المجالات ذات الطلب المرتفع، بالإضافة إلى ارتفاع معدل البطالة للفئات العمرية من 15 إلى 24 عاما في المملكة بنحو 24%.
وجاء في الوثيقة انه عدم وجود نظام موحد للتنقل بين مسارات التعليم العالي والتدريب المهني والتقني وكذلك عدم وجود إطار موحد للتعرف على المهارات والقدرات وانخفاض معدلات الالتحاق في التدريب التقني والمهني أدى إلى ضعف المواءمة بين مخرجات التعليم واحتياجات سوق العمل المتغيرة، حيث تبلغ نسبة معدل الالتحاق للتدريب التقني والمهني حوالي 23% مقابل 48% في الدول الأخرى.
الظاهرة السلبية في نظام التعليم في المملكة هي ارتفاع نسبة الطلاب الذين يتجهون للجامعات. النسبة تقدر الان بحدود 90 بالمئة، وهذه نسبة عالية جدا وتحتاج تدخلات حكومية قوية لإيقاف نزيفها وخطرها علينا. طبعا كان هناك تحرك لتعزيز الأهمية المحورية للتعليم التقني والمهني، وجاءت المبادرة من المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني عبر اطلاق برنامج الشركات الاستراتيجية في مجال بناء المهارات ذات الصلة بالصناعة. هنا الشركات الكبرى تساهم بشكل مباشر في تطوير المناهج الدراسية وتلعب دورا رئيسيا في توظيف الخريجين. حاليا العدد المشارك في البرنامج قليل جدا مقارنة بحجم الاحتياجات الحالية والمستقبلية.
نحتاج توسيع البرنامج ليشمل جميع القطاعات الاقتصادية بالذات قطاع الخدمات. المطلوب الزام جميع الشركات المساهمة الكبرى (أكبر مئة شركة)، بانشاء معاهد مهنية وفنية وتجارية تابعة لها. أيضا دعوة المجموعات التجارية السعودية الكبرى للمساهمة في تأسيس المعاهد، وتحويل 80 بالمئة من مساهماتها في المسؤولية الاجتماعية إلى التعليم الفني والمهني المتوسط. البعد التشاركي هذا يضمن نجاح هذا البرنامج، ويساعد في تقليل تكلفته.