د.عبدالله بن موسى الطاير
كلمة الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- أمام الدورة السادسة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة وضعت خارطة طريق لمستقبل العلاقات السعودية الإيرانية؛ حيث نص الخطاب الملكي على أن «إيران دولة جارة، ونأمل أن تؤدي محادثاتنا الأولية معها إلى نتائج ملموسة لبناء الثقة، والتمهيد لتحقيق تطلعات شعوبنا». وقد بدأت وسائل الإعلام منذئذ تتحدث عن موقف سعودي معلن عن مفاوضات كانت محاطة بالكثير من التكتم وبخاصة من الجانب السعودي.
بدون شك أن هذا الموقف السعودي الصادر عن قمة هرم السلطة في المملكة قد أشاع الكثير من التفاؤل في المنطقة والعالم، لما يمثّله البلدان من أهمية في محيطهما ولما تشكله التوترات وعدم الاستقرار بين البلدين من انعكاسات سلبية على المنطقة، وعلى العالم؛ حيث يتحكمان في الطاقة وطرق تصديرها للعالم، ويصطف خلفهما قطبا العالم الإسلامي وهما السنة والشيعة. التطلع السعودي إلى إقامة علاقات تعاون مع إيران لم يكتب شيكاً على بياض وإنما اشترط لذلك «الالتزام بمبادئ وقرارات الشرعية الدولية، واحترام السيادة، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، ووقفها جميع أشكال الدعم للجماعات الإرهابية والميليشيات الطائفية التي لم تجلب إلا الحرب والدمار والمعاناة لجميع شعوب المنطقة». وعلى الرغم من سرعة التقاط الإيرانيين للرسالة السعودية والاحتفاء بها، وتعقيب الخارجية الإيرانية بالقول إن «هذه المحادثات لم تتوقف أبداً وبعد تولي حكومة السيد رئيسي مهامها تم تبادل الرسائل على المستوى المناسب.. نعتقد أنه إذا أولت حكومة المملكة العربية السعودية اهتماماً جاداً برسالة الجمهورية الإسلامية الإيرانية بأن حل المشكلات في المنطقة يكمن داخل المنطقة نفسها، وأنه يجب أن نتوصل إلى آلية إقليمية شاملة، حينها يمكن أن تكون لدينا علاقة مستقرة وجيدة بين البلدين المهمين في المنطقة، وهما إيران والسعودية». أقول إنه على الرغم من هذا الترحيب السريع فإن السؤال عن قدرة إيران على الالتزام بالمطالب السعودية يشغل بال المراقبين والمتخصصين.
إيران الحالية قائمة على التوسع والهيمنة وقد حققت ذلك في أربعة بلدان عربية، ويصعب التصديق بتخلي إيران عن هذا النهج الذي يعتبر عقيدة راسخة لولاية الفقيه. ومع المعرفة السعودية الأكيدة بهذا السلوك المتأصل في بنية النظام الإيراني إلا أن العلاقات السعودية الإيرانية شهدت فترات من الهدوء والتعاون في عهود خاتمي ورفسنجاني ونجاد، ويمكن أن يستأنف التعاون والتنسيق في عهد رئيسي.
المملكة ليست الوحيدة التي تتوجس من سلوك النظام الإيراني بأسلحته التقليدية، وتعتقد أن حيازته أسلحة دمار شامل سيكون وبالاً على البشرية، ولذلك فإن المملكة تدعم «الجهود الدولية الهادفة لمنع إيران من تطوير سلاح نووي، وتعبر عن بالغ قلقها من الخطوات الإيرانية المناقضة لالتزاماتها والمتعارضة مع ما تعلنه إيران دوماً من أن برنامجها النووي سلمي». فإذا كانت إيران متمسكة بالهيمنة والتدخل في الشؤون الداخلية لجيرانها بأسلحة تقليدية ومليشيات إرهابية، فإن امتلاكها سلاحا نوويا سيمدها بقوة غير تقليدية تواصل بها زعزعة أمن جيرانها وانتهاك سيادة الدول المستقلة.
بين اليأس والأمل هناك فرصة للبلدين الجارين في تحقيق حد أدنى من التفاهم والتعاون؛ إذ ليس مطلوبا منهما والحالة هذه أن يتصرفا كبلدين صديقين، وإنما كدولتين متنافستين تستطيعان إدارة خلافاتهما مع بقاء العلاقات الدبلوماسية التي تحافظ على التواصل والتنسيق في الملفات المهمة لهما، وتجنيب المتفق عليه الآثار السلبية للملفات المتنازع حيالها.
ملف الحج والعمرة الذي يهم المسلمين في إيران، وأمن إمدادات الطاقة، والحرب في اليمن، وأمن الخليج العربي والمضائق المائية، وسلامة التجارة الدولية، جميعها ملفات يمكن التعاون حولها مهما اشتد الخلاف حول ملفات أخرى. الدولتان بحاجة إلى تحييد قضايا لا يمكن الاتفاق حولها والتركيز بدلاً من ذلك على ملفات قد تكون موضع تلاق وقابلة للحوار.