عمر إبراهيم الرشيد
من الأزمات تولد الفرص، وفي الشر إذا وقع خير كامن لا يظهر على السطح بل يستشعره من أوتي الحكمة فاللهم اجعلنا منهم. حين اندلعت الجائحة وعمت العالم فلجأت الدول إلى الحظر وتحديد الأنشطة البشرية والأعمال، عادت الأرض إلى رشدها وانحسر التلوث إلى أدنى درجاته منذ عشرات السنين ان لم نقل مئات. لدينا في المملكة كانت الجائحة اختباراً لقدرات الجهات الحكومية والقطاع الخاص على حد سواء، فكان أن تم التركيز على الحكومة الالكترونية والتوسع فيها أكثر من ذي قبل وابتكار المزيد من التطبيقات الخدمية، ما سهل الخدمات والأعمال عن بعد، وشهد القاصي والداني بما أنجزته المملكة من تفوق في هذا المجال من بين مجموعة العشرين، وبالطبع فلكل جهد بشري نواقصه والكمال لصاحب الكمال جل وعلا.
والتعليم هو أكثر القطاعات شغلاً للمجتمع، وهو لأولياء الأمور والطلبة على السواء، لكن في ظني من أكثر سلبيات المرحلة الحالية هي التعليم التمهيدي والأولي عن بعد عبر المنصات والأجهزة اللوحية، فالالتقاء البشري المباشر أمر أساسي للطفل في هذه المرحلة العمرية. ومما زاد في الأمر حرجاً بل وكوميديا سوداء في بعض الأحيان، أن معلمة أطفالي الصغار على سبيل المثال، تريد تلقينهم طرق التعليم عن بعد واستخدام المنصة وهم بالكاد يتعلمون الأحرف الأبجدية! ولا يمكن إلقاء اللوم عليها فالمسألة منظومة مترابطة، فنقول للقائمين على العملية التعليمية والتربوية شكر الله مساعيكم وأعانكم على القيام برسالتكم، لكن رفقاً بهذه العقول الصغيرة أحباب الله، ومتى نتجاوز مرحلة حشو الرؤوس والتلقين، وليس من المعقول كذلك تلقين هؤلاء الصغار وظائف الجذر والساق وورق الشجر وهم كما قلت قد بدؤوا فك الحروف الأبجدية، وكان الله في عون ابنائنا وبناتنا ومعهم المعلمون والمعلمات!
اللون الأخضر:
نستبشر خيراً بهذه الالتفاتة إلى الأم الطبيعية، إلى البيئة التي ظلمت ردحاً من الزمن غير قصير، والى هذا القرار الذي انتظره المجتمع طويلاً حتى كاد اليأس يقضي علينا لولا تأسينا كما قال ابن زيدون، وهو قرار وقف زراعة النخيل في الطرق والشوارع، وهو ما كتبت عنه هنا كثيراً في هذه الصحيفة العزيزة كما كتب عنه الكثيرون غيري. وقلت إن النخيل شجر عزيز مكانه البساتين والمزارع وليس الشوارع والطرق بعوادمها وتلوثها فلا ظل ولا ثمر بل اشباه نخيل ولا نخيل. وحان الوقت لتقر العين بمناظر الشجر الظليل، وتهدأ الأعصاب بعودة الأكسجين وتراجع التلوث الجوي والبصري إلى مستويات متدنية ان شاء الله تعالى، بل وتتراجع نسب أمراض الضغط والسكري والعلل النفسية التي بدأت تغزو مجتمعنا لأسباب من أبرزها التدهور البيئي وسيادة اللونين الأسود والرصاصي في شوارعنا ومياديننا، فعدنا إلى الطبيعة التي أبدعها الخالق، فمرحى للون الخضرة ولألوان الورد الزهور، إلى اللقاء.