رمضان جريدي العنزي
(الهرس) في لهجتنا الشمالية تعني الفراش البالي المهترىء العتيق الممزق، الذي لا يجدي نفعاً، ولا يصلح لأي شيء، لا يمكن الجلوس عليه، ولا الاستفادة منه، ولا بالمقدور إصلاحه ورقعه، هناك من يشبهون الهرس قيمة ومعنى، لا يفيدون ولا يستفاد منهم، ولا يعملون لصالح وطنهم وأهليهم ومجتمعهم، ولا يقدمون للحياة شيئاً، خاملون ونائمون وكسالى، ومع هذا مترفون بالحلم ومكتسون به، يحلمون بالشيء الكثير والكبير والنادر، (يشرهون) ولا (يشرهون)، يطلبون ولا يعطون، يأخذون ولا يمنحون، ينتقدون ولا يحبون الانتقاد، باهتون مثل الطعام الذي بلا ملح، متشرنقون حول ذواتهم، ما عندهم بذور موهبة ولا كفأة، ومهاراتهم في الحياة معدومة، لا يزدانون بالحياة، ولا تزدان بهم الحياة، ما عندهم صفات ولا مواصفات تؤهلهم ليكونوا ملء العين والسمع والفؤاد، شخصياتهم مهزوزة، ويمارسون في السر ما لا يمارسونه في العلن، يصطنعون أعمالاً وبطولات ومواقف ليست لهم، ويتدثرون بملابس فضاضة لا تليق بهم، مخادعون، يضحكون على الذقون، وبضاعتهم منتهية الصلاحية، أصحاب مشاريع ذاتية، يبحثون عن البروز والظهور ليس إلا، ويحاولون العيش في عالم آخر، شدة النرجسية تمنعهم من فهم الحقيقة والواقع والتغير، وتمنعهم من التميز، وإيجاد المواقف الصحيحة، ما عندهم مبادرات ولا إيثارات ولا عطاءات وطنية واجتماعية، سوى هرطقة كلام (بلوشي)، يطير مع الهواء كما تطير الريشة والقطنة، إنهم مرضى كبرياء وعجب، يعيشون على هامش الحياة، و(يدوجون) بين الناس كما (يدوج) المعتوه في الأزقة والأرصفة وبين الطرقات، شخصياتهم مثيرة للجدل، الخط البياني لأقوالهم وأفعالهم، شديد التذبذب، وبانحدار مستمر، ينطلقون دائماً من سذاجة وتبلد، ولا يردون الجميل لمن حاباهم وداراهم وأغدق عليهم بسخاء، عندهم لف ودوران، ولهم مراوغات باهتة، إنه لا مكان وطني واجتماعي لهؤلاء (الهرسيون) الذين يعيشون عالة على الوطن والمجتمع والحياة، ويقتاتون من موائد الآخرين، على حساب القيم والمبادىء والثوابت، فلنحذر من هؤلاء بذكاء، كما نحذر من الشياطين.