عبدالرحمن الحبيب
تعد الهند «مهدًا لإحدى الحضارات الأربع الكبرى.. وتشبه الفيل، نظراً لحجم البلاد الضخمة بقوة هائلة، على الرغم من أنها تتحرك ببطء». وفقًا لكتاب «الهند: القوة العظمى الأخيرة» (India: The Last Super Power) لمؤلفه سفير اليابان السابق في الهند، هيروشي هيراباياشي.. نظرًا لأن الهند «بلد الحالات القصوى» والفروق الدقيقة، ينصح المؤلف «بإيلاء اهتمام إضافي» لفهمها بشكل أفضل. على الرغم من كونهم آسيويين، ولدهشة المؤلف، فإن «نمط تفكير الهنود يشبه الناس الغربيين»..
الكتاب الذي صدر مؤخراً يقدم وصفاً للهند كقوة عظمى عالمية متنامية، مسلطاً الضوء على سماتها الفريدة من خلال رؤية ياباني شغل بالهند منصب دبلوماسي من 1998-2002. تحليلات المؤلف تركز على البعد الجيوسياسي، إذ يرى أن مبادرة الحزام والطريق الصينية تشكل إستراتيجية جيوسياسية لتحل الصين محل الولايات المتحدة كقوة رائدة في العالم.. كما يوضح الأهمية المتزايدة للمحيط الهندي لتوازن القوى العالمي، الذي أطلق عليه روبرت كابلان المحور الجغرافي الجديد للسياسة العالمية.
من الصعب على المؤلف أن يكون محايداً ما بين الهند والصين، وهو حاليًا رئيس الرابطة اليابانية الهندية.. فمن ضمن ما جاء في كتابه عن مبادرة الحزام والطريق: «هي إستراتيجية لتطوير كل من الطرق البرية والبحرية إلى أوروبا، مع تأمين الوصول إلى أوروبا، ووضع البلدان في طريقها تحت تأثير الصين. الطريق البري هو الدرب إلى أوروبا عبر آسيا الوسطى على طول طريق الحرير القديم، بينما الطريق البحري يربط الصين بأوروبا وأفريقيا عبر المحيط الهندي وقناة السويس». والمؤلف يتفق مع الرأي الحاد القائل بأن بناء الصين لموانئ في ميانمار وبنغلاديش وسريلانكا وباكستان - ما يسمى بـ «سلسلة اللآلئ» - هي «إستراتيجية لوضع حبل المشنقة حول عنق الهند».
كما يلقي الكتاب الضوء على تاريخ الصداقة بين اليابان والهند منذ صراع الأخيرة من أجل الاستقلال، موضحاً كيف دعمت الهند اليابان بعد الحرب العالمية الثانية، وكيف كانت اليابان صديقاً مخلصاً للهند لعقود، وكيف عزز تراثهما الديني المشترك (نشأت البوذية بالهند وامتدت لاحقًا إلى اليابان) الروابط بين البلدين. من الناحية الاقتصادية، تعاونت الدولتان وصعدتا كقوتين عظميين في آسيا؛ ومن الناحية الجيوسياسية، يستطيع البلدان مواجهة أهداف الصين التوسعية بالمنطقة، حسب رأي المؤلف الذي يتوقع أن تنضم الهند قريباً إلى نادي القوى العظمى مع أمريكا والصين وروسيا، مما سيشكل أهمية متزايدة للهند على المسرح العالمي لتلعب دوراً ريادياً في السياسة الدولية، معتقداً أن الهند ستقف إلى جانب الدول ذات التوجه الغربي في مقاومة الصين، وأنها تقوم بذلك بالفعل.
إذا تجاوزنا ذلك الانحياز في طرح هذا الدبلوماسي المخضرم، خاصة في التحليل الجيوسياسي، فثمة أطروحات مفيدة في جوانب أخرى مثل دراسة جزئية لتاريخ الهند، وثقافتها وسياستها الداخلية، وجزء من مذكرات كاتب خبير بشكل خاص لمناقشة الهند ودورها المتنامي في العالم، فبالإضافة إلى مهامه كسفير في الهند، شغل مناصب في إيطاليا وفرنسا والصين وبلجيكا وأمريكا، وعمل مستشارًا لمجلس الوزراء للشؤون الخارجية.
يحدد المؤلف «مفاتيح» عدة لفهم الهند: حجمها الجغرافي وموقعها، وقوتها الاقتصادية المتنامية، وسكانها المتناميون والمتعلمون بشكل أفضل، وشكلها الديمقراطي للحكومة، وتنوعها العرقي والديني، والنظام الطبقي، والتزامها بالعلمانية. وعلى الرغم من أن الهند وجهة جذابة للاستثمارات، إلا أن مناخ الاستثمار فيها يعاني من مشاكل حسب المؤلف مثل: «الطرق السيئة، وانقطاع التيار الكهربائي المتكرر، والمياه غير النظيفة، ورداءة أنظمة الصرف الصحي..إلخ، لذا فرغم التوترات بين اليابان والصين فإن التفاعلات بينهما في مختلف المجالات أفضل مرات عدة من التفاعلات بين اليابان والهند، وفقاً للمؤلف.
يرى البروفيسور فرانسيس بي سيمبا (مؤلف كتاب الجغرافيا السياسية: من الحرب الباردة إلى القرن الحادي والعشرين والدور العالمي لأميركا) أن تحليل هيراباياشي جيوسياسي من الدرجة الأولى.. كما أن مناقشته لتطور علاقات الهند مع اليابان تتم في كثير من الأحيان وفقاً لملاحظاته الشخصية المباشرة من تجاربه الدبلوماسية.. وعلى الرغم من كونها مفيدة ومثيرة، إلا أنها تتخذ شكل استطرادات من سرد الكتاب؛ وكان الكتاب يتدفق بشكل أفضل لو أن المؤلف قد أدرج تجاربه الشخصية في السرد بدلاً من فصلها في كل مرة.
كتب هيراباياشي أن السلوك العدواني المتزايد للصين في شرق الصين وبحر الصين الجنوبي والمحيط الهندي، تسبب في انتقال الهند من سياسة «الاستقلال الإستراتيجي» (عدم الانحياز) إلى سياسة شبه تحالف مع الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا. بعبارة أخرى، تقف الهند إلى جانب القوى ذات التوجه الغربي في مواجهة الصين، بينما لا تزال تحافظ على علاقات جيدة مع روسيا، وهو نهج يعتقد العديد من الواقعيين في السياسة الخارجية أنه من الأفضل لأمريكا اتباعها (فرانسيس بي سيمبا).
يختتم هيراباياشي الكتاب بنصائح لأبناء بلده والأمم الأخرى - بناءً على تجاربه الشخصية - حول أفضل السبل للتعامل مع الهند خلال صعودها إلى مكانة القوة العظمى بالقرن الحادي والعشرين. وهو يدعوها إلى الانتباه إلى العناصر الستة: المنتَج، السعر، المكان، الشخص (الشريك)، الشغف، والصبر، وربما يكون الأخير هو الأهم.. الكتاب مكتوب كدبلوماسي حقيقي حسب بي سيمبا..