د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
ليس المستقبل استشرافًا مجردًا إنما هو إنجاز يصنعه الوعي، والإنسان حتى وإن كان فائق القدرات يعيش في عالم يتهيأ لتغيير صورته كاملة في كل لحظاته سواء على مستوى علاقاته أو مستوى التحديات الجديدة التي اختارها لنفسه ومستقبله، كما أن الأعمال اليوم تتشظى وتتناثر إلى ما نستطيع أن نسميه الأقليات المهنية؛ وفي الجانب الآخر أصبحت المجتمعات الجديدة أكثر تنوعًا وأعظم انفتاحًا؛ فالتقدم المدهش يشكل شبكة مذهلة من وسائل المشاركة المباشرة، ولقد أدركتْ قيادتنا حفظهم الله تلك التحولات المجتمعية؛ وحاجة المواطن السعودي إلى قدرات استثنائية داعمة تجعله قادرا على مواكبة المعاصرة والمنافسة محليا وعالميا؛ فانبثق من ذلك الوعي برنامج تنمية القدرات البشرية الذي أعلنه في منتصف شهر سبتمبر الجاري سمو ولي العهد محمد بن سلمان كأحد برامج تحقيق الرؤية السعودية العملاقة 2030، وبرنامج تنمية القدرات البشرية استراتيجية وطنية قوية ودقيقة في مساراتها لتعزيز قدرات المواطن السعودي لاغتنام الفرص المعروضة في الحاضر والمستقبل؛ وحتى يكون جاهزا للمنافسة العالمية علميا وعمليا من خلال تطوير مهارات المستقبل وترقية مستويات المعرفة العلمية عند المواطن السعودي، كما أن البرنامج رحلة مبشّرة بإذن الله تحمل كل أدوات المسير بدءاً من مرحلة الطفولة إلى الجامعات والمعاهد والكليات المهنية التطبيقية، وكما أبان مهندس الرؤية سمو ولي العهد حفظه الله أن خطة البرنامج تشمل 89 مبادرة لتحقيق 16 هدفًا استراتيجيًا من أهداف رؤية المملكة 2030، وتتكئ المبادرات على ثلاث ركائز يتصدرها تطوير أساس تعليمي متين ومرن للجميع، والإعداد لسوق العمل المستقبلي محليا وعالميا؛ ومنح الفرص للتعلم مدى الحياة... ويتبلور مفهوم التنافسية مع تطوير القدرات البشرية من خلال القدرات الذكية وبناء مقوماتها وتنميتها لدى الأفراد، وفي العصر الحديث يمثل الذكاء الاستراتيجي ملمحا تنمويا يتباهى به صانعو النهضة في المجتمعات الحديثة؛ وبرنامج تنمية القدرات البشرية قام على قراءة دقيقة للماضي والحاضر؛ ومن ثَمَّ احتاجتْ حركته التنفيذية إلى مقدرات وتآزر مؤسسي متين، وقد ظهر التعليم كحلقة حيوية في مفاصل البرنامج لشموله المعرفة، وصقل المهارات المهنية، وأهمية العلم لم تعد اليوم محل جدل فالتعليم هو الذي يشكل توجهات مجتمع المستقبل؛ ولأن برنامج تنمية القدرات البشرية في منظورنا الوطني هو محفز حيث مما يُحتم مراجعة دور المؤسسة التعليمية: وظائفها وغاياتها بما يحقق أن يكون التعليم جسرا لتمكين القدرات البشرية الحاضرة من مواصلة الطريق نحو المستقبل بفعالية عالية تحقق التنافسية؛ فمن المتكآت لذلك أن تُشكل تكنلوجيا المعلومات والاتصالات جزءاً أساسياً من صناعة التعليم على المستوى النظري ومن ثمَّ التطبيقي؛ وأن تدخل ابتكارات حديثة في التشكيل المدرسي وصورة الفصل الدراسي، وأن يكون للمعلم حضور في كل تخطيط معرفي تنموي؛ كما أننا بحاجة إلى أوقات كافية لإذكاء الحماس المجتمعي تجاه العلوم المختلفة ولذلك لابد من تشكيل المعرفة وتقديمها لتوسيع نطاق التعليم في المجتمعات الحديثة ومثله التدريب ونشر المعرفة مما يمنح فرصا عظمى للمتعلمين للتفكير بشكل خلاّق ومستقل! وبذلك تسعد بلادنا ببلوغ التعليم مستويات عليا من الاستجابة لمتطلبات العصر ومنجزاته.
وتظل تنمية القدرات مطلبا مفترضا لتحقيق التنافسية والاستمرار والصعود للقمة، ولابد فيها من القياس والتقويم والتقييم المؤسسي حيث إنه يأخذ الدور الأعم في أي منظور استراتيجي تنموي؛ وبالاطلاع على وثيقة البرنامج عبر منابر إعلانها يصافحنا خطاب سعودي كريم يركز على تأصيل القيم ومفاهيمها (التسامح والانتماء الوطني والمواطنة العالمية والابتكار) وغير ذلك من مضامين الخطاب السعودي العالمي الذي تقوده بلادنا لاقتلاع الطائفية والعنصرية؛ وتأكيدا لقيمة ذلك البرنامج الوطني الكبير بما يستجيب له في الواقع الاقتصادي والاجتماعي؛ وأن يكون لبُّ البرنامج تمكيناً من مستويات أفضل في العلم وتحديات العصر الجديدة.
ومع حضور وطننا المضيء الفاخر عالميا هناك أوجه حراك مختلفة للحضارة البشرية السعودية الحديثة وبرنامج القدرات البشرية في الذروة منها.