د. محمد بن يحيى الفال
في المناسبات والأحداث السعيدة تشوق النفس لاستعادة الذكريات المحببة وليس هناك ذكرى سعيدة وعزيزة على القلب تجمع أبناء الوطن من ذكرى توحيده على يد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود رحمه الله. هذه الذكرى السعيدة التي نحتفل بمرور واحد وتسعين سنة على انطلاقها لوطن ليس ككل الأوطان شاء له المولى جلت قدرته بأن يكون موطن آخر رسالته للبشرية جمعاء، وطن سخر له الله شخصية عبقرية وقيادية فذة تمثلت بالملك الموحد الذي جمع أرجاء البلاد في دولة أضحت خلال عقود من أهم دول العالم تأثيراً على الساحة الدولية، لما حباها الله به من مكانة دينية بكونها قبلة المسلمين أين ما كانوا وبكونها أكبر دولة مصدرة لخام النفط شريان عجلة الاقتصاد العالمي وأهم ركائزه.
في التاريخ السياسي الحديث ليس هناك شخصية ارتبطت ارتباطا وثيقاً بقيام دولة وشهدت البدايات الأولى لنشأتها بكل تفاصليها ونرى مثل هذا الحدث النادر واضحاً جلياً متمثلاً في خبرة الحكم لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود. خبرة لا مثيل لها من فتى يافع شهد وراقب عن كثب بداية تأسيس الدولة وتوحيدها والمخاطر التي واجهتها خلال تلك الفترة الحساسة وليتولى بعدها وفي عنفوان الشباب مسئولية إمارة منطقة الرياض لمدة تزيد عن خمسة عقود. خمسة عقود لم تنقل العاصمة الرياض وحدها لمراحل من التطور يعجز المرء عن رصد كافة تفاصيلها بل شملت هذه الإنجازات الكبيرة كافة محافظات وقرى ومراكز وهجر المنطقة. جيل كامل من أبناء وطننا ومن كافة مناطقه هم شهود عيان للتطور الغير مسبوق الذي قاده بكل كفاءة وحنكة سلمان الخير في نقل العاصمة الرياض خلال فترة توليه شئون إمارتها من مدينة تضم أحياء لا يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة إلى إحدى أكبر عواصم الشرق الأوسط ببنية تحتية وخدمية متقدمة جاذبة نقلت عدد سكانها من رقم لا يتجاوز مئات الآلاف إلى ما يقارب سبعة ملايين نسمة حالياً، عاصمة تتلألأ أنوارها معلنة نفسها وبكل اقتدار عروساً لأغلى وطن هو مهبط الوحي وقبلة المسلمين وقلب جزيرة العرب، عاصمة يترقب الجميع الانتهاء قريباً من مشروع شبكة مواصلاتها الحديدية التي تربط كافة مناطقها بعضها البعض لتشكل أسورة جمال تزيد عاصمة العرب حلة أخرى من الإنجازات المميزة.
خبرة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز في إدارة شئون الحكم ومن إنجازاتها في بناء عاصمة البلاد والمحافظات التابعة لها نرى مُنجزاتها المتعددة واضحة في كل من الشأن الداخلي والخارجي بعد أن قيض لها الله توليه إدارة شئونها والحديث في هذا ذو شجون ولا تتسع هذه المقالة للتطرق لكافة تفاصليه ولكن وكما قيل فما لم يدرك كله لا يترك جُله. في الشأن الداخلي فالأمر السامي الكريم بتعيين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز لولاية العهد جاء متزامناً مع حتمية ضخ دماء جديدة في إدارة شئون البلاد، وهو الأمر الذي اتضح بأن سموه خير من يمثله برؤية 2030 لنقل المملكة بكل تفاصيل إدارة شئون الحكم والاقتصاد والحوكمة نحو أفق جديد قادر على الاستمرارية من أجل تنمية مُستدامة. هذه التنمية التي تعطلت بسبب الجائحة الكونية في كثير من دول العالم استطاعت قيادة المملكة تجاوزها في العديد من المحاور لعل أهمها الاستمرار في خطط التنمية، وكان لقطاع الإسكان نصيب الأسد في ذلك لارتباطه المباشر مع رفاهية المواطن وكانت النتيجة نجاح باهر في هذا القطاع عجزت عن تحقيقه دول شقيقة مجاورة بعدد سكان قليل وموارد مالية ضخمة. التعامل مع جائحة كورونا يعد تعاملا نموذجيا يُحتذى به دولياً في كيفية مواجهة الكوارث والأزمات. جاء الخطاب الملكي مع بداية الجائحة ليضع النقاط على الحروف وبأن قيادة المملكة تضع الإنسان وسلامته فوق كل الاعتبارات الأخرى، ولعل الجدير ذكره بأن الخطاب الملكي هو أول من أشار لأزمة كورونا بمصطلح» جائحة» وهو المصطلح الذي استخدمته لاحقاً أغلب وسائل الإعلام الناطقة باللغة العربية وحتى التي لها مواقف معادية للمملكة. الأزمات والشدائد تعتبر اختبارا حقيقيا لقياس مصداقية الدول تجاه مواطنيها وهو الأمر الذي استطاعت فيه قيادة المملكة تقديم كافة ما يلزم لمواطنيها لمواجهة الجائحة ومن ذلك تقديم اللقاحات ليس لهم فقط بل لكل من يعيش على أراضيها بدون تفرقة أو تمييز في رسالة تتحدث عن نفسها للمنظمات التي تطلق على نفسها بمنظمات حقوق الإنسان.
في الشأن الخارجي نرى حكمة خادم الحرمين الشريفين سلمان بن عبدالعزيز ماثلة لنا في العديد من المحاور ومنها درء خطر تهديد ملالي طهران لحدودنا الجنوبية من قبل دميتهم عصابة الحوثي الانقلابية ومع ما تمثله هذه العصابة من تهديد خطير على السكان والمرافق المدنية في المملكة لم يتعرض مئات الآلاف من الاخوة الأشقاء اليمنيين لتضيق شئون معيشتهم في المملكة وهو أمر كان للمملكة أن تقوم به حفاظاً على شئون أمنها الداخلي، ولكنها وضعت مصلحة الأشقاء اليمنيين فوق كافة الاعتبارات الأخرى بل أنشئت وفي سابقة تاريخية ومع بداية النزاع العسكري مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية وذلك لخدمة المدنيين المتضررين من الحرب ولتشمل خدماته كذلك اليمنيين في خارج الأراضي اليمنية ولتمدد خدمات المركز لتشمل الكثير من دول العالم.
وفي مجال مكافحة الإرهاب كانت قيادة المملكة واضحة وقدمت ما لم تقدمه دولة من دول العالم لمواجهته ومنذ سنوات ودعمت بملايين الدولارات الأمم المتحدة لتأسيس مركزها لمكافحة الإرهاب ومع ذلك لم تسلم المملكة من محاولات مستمرة في الزج باسمها في قضايا لا ناقة لها فيها ولا جمل مما يبدو بأنه قوض كذلك رغبتها في المساعدة في أماكن ساخنة على الساحة الدولية كالانسحاب الأمريكي من أفغانستان والتي يعرف الجميع بأنه ليس هناك جهود لدولة من دول العالم تشابه الجهود التي قدمتها المملكة في خدمة الشعب الأفغاني ولعقود من الزمن وبعشرات الآلاف من الأشقاء الأفغان الذين يعملون ويقطنون في المملكة.
تحتفل بلادنا بذكرى توحيدها وحق لها أن تحتفل بالقيادة الحكيمة الحازمة لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وصاحب السمو الملكي ولي العهد وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز.
ولعل أوبريت مولد أمة يمثل الحلم الذي تحقق لوطننا ونراه رأي العين ماثلاً أمامنا:
هجن وخيل.. عشق مع شوق وأمل
ليل طويل.. لونه مثل لون الكحل
منَه سرى عبدالعزيز.. وبعده طلع صبح جديد
وردة ربيع تبتسم.. في يوم مولدها المجيد