عبد الله بن صالح العقيل
في كل عام يمر علينا ذكرى عزيزة علينا جميعًا، وهي ذكرى توحيد المملكة العربية السعودية التي تقع موقعًا مهمًا في قلوب المواطنين خاصة والمسلمين في كل البلاد عامة. حيث تم قبل واحد وتسعين عامًا أن هيأ المولى سبحانه وتعالى من ينهض بها ويخرجها مما هي فيه من الفقر والجهل إلى الغنى والعدل والعلم، قيَض الله لها الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الذي بدأها بعهد جديد منذ فتح الله على يديه مدينة الرياض في عام 1319هـ فأخرجها من عزلتها وحررها من قيود العابثين وحقد الحاقدين، فاعلن -رحمه الله- الدولة السعودية الثالثة دولة العدل والرخاء، فعم الخير في أرضها والعدل بين أهلها وأخذت بوسائل الحياة الجديدة، ثم جاء تاريخ الأول من برج الميزان عام 1351هـ عندما قام الملك العادل عبد العزيز بن عبد الرحمن بتوحيد المملكة العربية السعودية في كيان واحد فغدت دولة ذات سيادة وعضوًا في المنظمات العربية والدولية وأصبحت ورائدة للأمتين العربية والإسلامية تتحدث باسمها وتدافع عن قضاياها وحريتها.
لذا فقد قام الملك عبد العزيز بتوحيد أجزاء الجزيرة العربية ورسم على صفحة التاريخ أكبر وحدة وطنية تقوم على مبادئ الشريعة الإسلامية السمحة والإيمان العظيم والثقة الكبيرة بأبناء الشعب السعودي وعلى المعاني السامية، فاستتب الأمن واجتمع الشمل وعاش الناس في رغد وارتاح الحجاج وزال الخوف، وانتشر العلم واتضحت حنكة الملك عبد العزيز في إدارة البلاد وأخذ بأسباب الحياة العصرية من تطور ونماء وعيش رغيد، فأحبه الناس وزالت الحواجز بينه وبينهم فصار أخًا لكبيرهم وأبًا لصغيرهم يتحدث معهم ويقربهم إلى مجلسه ويعطف عليهم ويعطيهم ما يحتاجونه من مال ليسد عوزهم. وكان في حياته متمسكًا بآداب الإسلام حريصًا على الوفاء بأداء الأمانة التي يحملها تجاه شعبه، وكان زاهدًا قوي الإيمان قوي الإرادة شجاعًا في الحرب ومحنكًا وحكيمًا عادلاً متواضعًا كريم الخلق لديه بُعد نظر فيما يفكر فيه في السلم والحرب، قال -رحمه الله- (أنا أدعو لدين الإسلام ولنشره بين الأقوام وأنا داعية لعقيدة السلف الصالح وعقيدة السلف الصالح هي التمسك بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم)، كما قالت عنه إحدى الصحف الغربية (ابن سعود رجل ذو خلق قوي وإرادة نافذة استطاع بها أن يؤسس مملكته الواسعة التي لم يسبق لها أن عرفت السلام قط إلا أيام حكمه، وهو يعتبر أعظم شخصية في العالم العربي اليوم)، ويقول عنه موريس جورنو (إذا كان ابن سعود قد نجح في لَمِّ شعب الجزيرة العربية تحت لوائه وإذا كان قد جعل من بلد مضطرب آهل بالعصابات جعله البلد الأكثر أمنًا في العالم، فمرد ذلك ليس القوة والسيف فحسب بل لأنه سكب في أعماق الأمة الناشئة أقوى عواطف التماسك، أي التقيد الشديد بأحكام القرآن)، وأقول: علينا أن نستلهم العبر وأن نعتز ببلادنا ونفخر بها، وأن ندعو لمن كان السبب فيما نحن فيه من أمن وأمان وخيرات.
ثم جاء أبناؤه البررة فرفعوا الراية وحملوا شعلة الخير والنماء وجعلوا شعار الحكمة والموعظة والإخاء أساسًا يسيرون عليه، فظهرت في مملكتنا الغالية مشاعل النور وأنارت ما حولها وسارت بين الأمم المتحضرة تحمل الخير والعدل والرخاء معتمدة على الله فآتت ثمارها يانعة لهذا الوطن الغالي أمنًا وأمانًا وللأمة الإسلامية نصرة وعونًا.
إن النهضة الحضارية التي تعيشها بلادنا جاءت بفضل الله ثم بفضل جهود القائد المؤسس الذي بناها على تقوى من الله وتابعها أبناؤه بكل ثقة، فها هي أحكام الشريعة السمحة يتم تطبيقها في بلادنا ومشاريع الخير والرخاء والتنمية والبناء مثل النهضة التعليمية والزراعية والمصانع والنقل والكهرباء والمياه والرعاية الصحية ومشروعات الخير في الحرمين الشريفين وغيرها كلها تحكي قصة نهضة حضارية عملاقة تسير بخطى ثابتة ترفدها أيادٍ سعودية مخلصة تحافظ على وحدتها وسيادتها تحت لواء شريعة سمحة وفي ظل سياسة متينة تتجه نحو العالم المتحضر.
إنها دعوة أوجهها لكل المسئولين بوزارة التعليم ووزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد والجامعات وإدارات التربية والتعليم وجميع فئات المجتمع ومنهم المعلمون والمربون والمشرفون التربويون والقائمون على المراكز الصيفية والمخيمات الطلابية والكشفية، كذلك إلى رجال الدعوة في المكاتب التعاونية للدعوة والإرشاد والمعلمين في حلقات تحفيظ القرآن وأنشطة جمعيات البر الخيرية بشتى أنواعها في الداخل والخارج..
والبيت لا يبتنى إلا على عمد
ولا ثبات إذا لم تقو أركان
كما أن على العلماء والفقهاء والدعاة وأئمة المساجد والكتّاب والمربين وغيرهم أن يبينوا لهؤلاء الشباب أمور دينهم وأن يحصّنوا النشء الجديد من سموم الغلو والانحراف ومما تبثه الفضائيات من شرور ومفاسد.
اللهم وفقنا لما تحبه وترضاه، وألهمنا حب الخير وبغض الشر، وأهدنا جميعا إلى الصراط المستقيم، اللهم أرنا الحق حقًا وارزقنا إتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، اللهم احم بلادنا من كل شر، واجعلها بلاد خير وصلاح، اللهم أصلح شباب المسلمين واعصمهم بدينك وكتابك من كيد الكائدين وحقد الحاقدين، اللهم فقّههم في كتابك وسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم وجنبنا وإياهم الغلو في الدين واجعلهم هداة مهتدين، اللهم أنصر بلادنا وأحفظ ولاة أمرنا وارزقهم البطانة الصالحة التي تدلّهم على الخير وتنهاهم عن الشر، اللهم انصر جنودنا الذين يدافعون عن حدودنا على أعداء بلادنا. اللهم أعز الإسلام والمسلمين في كل مكان وانصرهم على أعدائهم واجعل عملهم خالصًا لوجهك الكريم، اللهم صلّ على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
** **
- الرس