سلمان بن محمد العُمري
تحل علينا ذكرى عزيزة وغالية على الجميع إنها ذكرى مرور واحد تسعين عاماً على توحيد المملكة العربية السعودية وهو تتويج للجهود العظيمة التي بذلها مؤسس هذه البلاد الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- حينما استعاد ملك آبائه وأجداده وحافظ على وحدة البلاد وألف القلوب تحت راية لا إله إلا الله محمد رسول الله، فسارت بتوفيق الله عز وجل من الخوف إلى الأمن، ومن الفرقة إلى الاجتماع، ومن الفقر إلى الرخاء، فالحمد لله الذي أطعمنا من جوع وآمننا من خوف.
ونحن نحتفل بهذا التاريخ العظيم لبلادنا يجب أن نتذكر نعمة الله عز وجل، ثم نستذكر حقوق الوطن علينا جميعاً فحب الوطن ليس شعارات وأناشيد أو (شيلات) وقصائد وإعلانات وشعارات، إنه قول وعمل وتضحيات، وفي هذا الوقت بالذات نحن أحوج ما نكون إلى هذا الأمر ولاسيما ونحن نرى الفتن والمحن والقلاقل والاضطرابات تتخطف من حولنا من البلدان، ونحن ننعم -ولله الحمد- بنعمة الأمن والإيمان والرخاء والاطمئنان مما يستوجب أن نستشعر نعمة الله علينا في كل شيء حولنا، وإن مما يسخط الناس على أنفسهم وحياتهم ويحرمهم لذة الشكر أنهم قليلو الإحساس بما يتمتعون به من نعم غامرة، ربما فقدت قيمتها بإلفها وبسهولة الحصول عليها، والمحافظة على النعم لا تكون إلا بشكر المنعم الذي أنعم بالخيرات.
إن كل فرد من أبناء الوطن له دوركبير في تحقيق التنمية في البلاد؛ فالإنسان هو المحدد الرئيسي لفعاليات التنمية واتجاهاتها فهي منه وإليه، ولذا على كل مواطن في هذه البلاد أن يعمل على أداء الأمانة والرسالة المطلوبة منه في بيته وفي عمله وفي مجتمعه قولاً وعملاً، وعلى كل واحد منا وقد أنعم الله علينا بكل الموارد والمنافع في حياتنا ألا نهدر أوقاتنا إلا بما ينفعنا وأن نستثمر كل ما حولنا من إمكانات بالإنتاج والعمل وعدم تبديد المال والوقت إلا فيما ينفع، وأن نحب لأنفسنا ما نحب لغيرنا وألا نستغل الآخرين بالغش والاحتيال والظلم والاحتكار وأكل أموال الناس بالباطل.إن من حقوق الوطن والمواطن العدالة الاجتماعية في المعاملات الإنسانية التي كفلها رب العباد للجميع، فعلى جميع الناس أن تراعي حقوق وحاجات بعضها بعضا دون اللجوء للمحاكم والقضاء، وألا يكون كل منهم سبباً في تضييق عيش الآخر والإضرار بمصالحه، ومن حق الوطن والمواطن القصد والاعتدال في سائر الأمور وهو قبل أن يكون مظهراً حضارياً فهو أمر قصدته شريعتنا الإسلامية الشاملة، وحضت عليه ليكون خلقاً أصيلاً لدى كل مسلم، يتناول كل مناحي حياته، وكل مظاهر إنفاقه سواء أكان مادياً أووقتاً أوكلاماً أوعملاً، فالعدل والاقتصاد مطلوب في كل شيء، فما أحسن التوسط في الأمور والاعتدال في كل شأن من الشؤون فلا غلو ولا تقصير، ولا تشديد ولاتفريط في الأمور الوسط.
إن كل مجتمع يبلغ الدرجة الأعلى والرتبة الأسمى حين تتسع علومه ومعارفه وتسمو أخلاقه، وتجتمع كلمته، وقد دلت السنن الكونية وهي سنة الله في خلقه أن من أهم ما تملك به البلاد هذه الرتبة بعد المحافظة على دينها ومعتقدها وأمنها هو قوة اقتصادها وحسن إنفاقها، فالاقتصاد وحسن الإنفاق له أثره البالغ في حفظ مكانة البلد وبلوغ أهدافه وتحقيق غاياته وليضمن الحياة الكريمة لمجتمعه وتبقى سيادته محفوظة عالية حينما لا يضطر ويلجأ لاستجداء ما لدى الآخرين بقروض وديون خارجية لا تثقل كاهله فحسب بل تكون سبباً في استضعافه سياسياً واقتصادياً؛ فالاقتصاد في إنفاق الأموال أمان للإنسان، وللمجتمعات وقد جاء في الأثر «ماعال من اقتصد»، والمال جعله الله قوام الحياة وأساس العمران، وهو خير عون لتحقيق كثير من المطالب والاحتياجات وأقوى عامل على التقدم والمدنية والرفاهية وهو دعامة لابد منها في سبيل البناء والإصلاح.
ورسالتي الأخيرة لوطني وشبابه على الأخص أقول:
إن العمل عبادة قبل أن يكون وسيلة لتحصيل لقمة العيش، وأنه سبب موصل لرضوان الله عز وجل، ومتى اعتقد الشاب ذلك وسعى مبتغياً رضوان ربه عز وجل، والسعي في رزقه فتحت أمامه أبواب الرزق ونال الخير والبركة، وكان فرداً نافعاً لمجتمعه ووطنه، وعليه ألا يحتقر عملاً من الأعمال يدر عليه الرزق الحلال، بل هو عمل شريف مهما نظر الناس إليه من نظرة أخرى، وعدم الاستكانة للجلوس والعطالة فهي داء اجتماعي خطير، ووباء اقتصادي وبيل، فهذه الآفة أي العطالة تعطل القدرات، وتهدر الطاقات، وتبدد الثروات، وقد تفتح على أصحابها أزمات ومشكلات نفسية واجتماعية فضلاً على أن العاطل يصبح عالة على غيره وهذا أمر تأباه النفس الكريمة الأبية.
حفظ الله بلادنا وولاة أمورنا، وأدام عليها النعم، ودفع عنها النقم، وأدام علينا نعمة الأمن والإيمان والرخاء والاطمئنان، ورحم الله مؤسسها ورجالها المخلصين الذين ضحوا بأنفسهم لأجل الوطن.