ربما نستطيع أن نصنف لغة الرموز التعبيرية (الفيسات) إلى لغة كتابة جديدة، والتي بدأت مع بدايات وسائل التواصل الاجتماعي، البداية كانت محدودة بعض الشيء ومع ظهور المنتديات الإلكترونية، يقال إن نشأتها كانت في اليابان وتطورت أكثر مع تنوع وسائل التواصل الاجتماعي في الهواتف الذكية، وتقبلها الناس لسهولتها وقوة تأثيرها العجيب
إلى أن صارت تنافس لغة الكتابة العادية في بعض عباراتها، ويندر أن تجد رسالة في إحدى وسائل التواصل تخلو من رمز تعبيري،
وهل نعدها مستقبلاً ضمن اللغات الإنسانية الأخرى الكتابية
وهي تشبه لغة الجسد؛ بيد أن لغة الجسد تعد تواصلا مباشرا، وأثرها أكثر وأقدم تاريخيا حيث ظهرت تقريباً مع ظهور الإنسان، أما لغة الرموز التعبيرية الإلكترونية فهي جديدة، وتحمل معانيا بعضها بليغ، وبعضها كاف عن جملة أو حتى رسالة، فالقلب الأحمر مثلا يعبر عن الحب، والقلب الأبيض يعبر عن الحب الصافي الأخوي وظهرت قلوب ذات ألوان أخرى مختلفة يعرفها المتبحرون فيها، ورمز الإبهام المرتفع مع قبضة اليد كأنك تقول (عملك تمام) أو (أوافقك الرأي) فهو كاف عن جملة بحالها ،ورمز الوجه ذو العين الدامعة كاف عن عبارة (هذا الأمر محزن) أما الوجه المكفهر الأحمر فيدل على الغضب.
وظهرت معها أو بعدها بقليل الملصقات المتحركة أو ما يُسمى بالرياكشنات، وقد تكون أكثر تعبيرا، وهي عبارة عن مقاطع فيديو قصيرة جدا لمدة ثواني؛ مقتصة من فلم أو حتى حدث واقعي إلا أن بعضها يتحدث عن مافي الخاطر أحيانا ويعفي من كتابة رسالة، وفيها الكوميدي والحزين وغيره.
ولكي يكون الأمر أكثر تبياناً عن أثر تلك الرموز دعونا نتخيل أن شخصاً أرسل لك قلباً ووردة، فالأثر سيكون مبهجاً، بل منعشاً، وعلى النقيض، تخيل لو أن شخصاً آخر أرسل لك صورة سكين أو مسدس؛ من المؤكد أنه سيحدوك الارتباك ويتولد لديك شعور أن الموضوع بات خطيرا للغاية!
بل إن هناك رموزاً لو أُرسلت يحاكم عليها القانون في بعض الدول مثل الرموز الجنسية والتي تعد تحرشاً.
والجميل في لغة الرموز أنها لغة عالمية يعرفها جميع سكان العالم المتعاملون مع الأجهزة الذكية، ولا تحتاج إلى ترجمة، فالصيني يعرف ماذا تقصد حين ترسل له رمزاً تعبيراً أو مقطع فيديو صغيراً مع أنك عربي
والباكستاني يعرف ما يقصده النيجيري حين يستقبل منه رمزاً تعبيراً.
وأعود مرة أخرى إلى بدايتها حيث يحضرني تساؤل وهو: هل هذه الرموز التعبيرية (الفيسات) يمكن أن تكون امتدادا للرموز الموجودة في النقوش الحجرية التي نراها في المناطق الأثرية؟ لا أجد ما يمنع هذ التساؤل خصوصاً إذا ما تبحرنا في ماهية تلك الرموز وإن كانت تختلف أشكالها على مر العصور،
ولربما واضع (الفيسات) استقى فكرته من فكرة النقوش فمن المؤكد أن ناحت النقش وضعها لهدف مع تباين الأهداف فالكتابة الهيروغليفية - اللغة المصرية القديمة- أكثرها تعتمد على صور الطبيعة كالطيور والحيوانات وأعضاء جسم الإنسان فصورة العين تعنى كلمة (يرى).
ودعونا نعرج أخيراً على فترة ماقبل الألفين وقبل ظهور الهواتف الذكية، حيث وجود الرموز على الجدران وهي رسومات عفوية كنا نراها غالباً على جدران مدارس البنات فكنا نرى رسمات يضعها بعض الشباب تعبر عمّا يجول في خاطره من مشاعر، فأذكر رسمة القلب مع السهم، وصورة الوجه الباسم، ورسمة الوجه الحزين، ورسمة الغزال الهارب، ورسمة الخيل في وضع الكر، ورموز أخرى كثيرة.
وثمت سؤال آخر طريف طرأ على ذهني وقت كتابة المقالة ؛ وهو:كيف سيعرب النحاة العرب هذه الرموز؟!
خصوصا أن بينهم وبين الإعراب عشقاً كعشق قيس لليلى العامرية!
فما هو إعراب القلب وماهو إعراب الوجه الوجه الأحمر المكفهر!
وأذكر أني سألت أحدهم عن إعراب كلمة (ههههه) الرمز المعبر عن الضحك فاختلفوا فيها فقال بعضهم اسم فعل مبني بمعنى أضحكتني!
وختاما هل تتحول لغة الكتابة في المستقبل وبعد أربعين جيلا مثلا! إلى رموز (فيسات)؟ ربما!
** **
- صالح بن سليمان الربيعان