(أنا لست أنا) قصة لجيكر خورشيد ترشحت للقائمة القصيرة لجائزة الشيخ زايد عام 2018 ، وتبدو نموذجًا إبداعيًّا لذاتين متقابلتين هما طرفا حكاية تدور حول علاقة متقاطعة بين وحيد قرن وضبع، والحبكة في بنيتها قائمة على حوار لاستعراض الاختلاف والتفاوت.
تشترك الذّاتان في المكان والزّمان لكنهما تختلفان في كل شيء آخر، فوحيد القرن في القصة نموذج للشخصية المنعزلة التي لا تجد في التعرف إلى الضبع أي قيمة مضافة، بينما الضبع يفرض نفسه بتعالٍ وفوقية عبر حوارٍ مع وحيد القرن والذي كلما أجاب على سؤال الضبع انتقده، فيكرر وحيد القرن جملته المتكررة: « أنا لستُ أنتَ «، والمقولة تؤكد الاختلاف ومشروعيته.
« أنا لستُ أنت» شعار مُعلن يتبناه وحيد القرن الذي يظهر تطوّرًا شعوريًّا يبدأ هادئاً ثم تأخذ نبرته بالتصاعد نحو الحدّة شيئاً فشيئاً حتى يصل إلى التّعبير الغاضب متمثّلا بنطحِ الضّبع، ومع التّحفّظ على فعل الضّرب الذي لا يُحبَّذ تقديمه في سياق قصص الأطفال أن اختيار خورشيد شخصيّتيْ قصته الحيوانيَّتَيْنِ ( وليستا إنسانيَّتَيْنِ ) بسّط الفعل كونه صادرًا عن الحيوانات، وفي اختيار ذلك النوع من الشخصيات وإكسائها تلك السلوكيات ما يقلل من فعل الضرب عند الطفل، إذ عندما يتعرض الشخص للصدمة بفعل إنسان مثله نراه يتأثر بشكل أعمق كونه يشاركه الإنسانية، أما عند اختيار الشخصيات الحيوانية فثمة ما يخفف من وتيرة القسوة والاختلاف.
توافقًا مع السلوك السلبي للضبع، أوردَ خورشيد سلسلةً من الاعتراضات المتعجرفة التي تعبر عن عدم تقبّله للاختلاف مع الآخرين، فأدرجها بتسلسلٍ تصاعدي موظفًا هرم «ماسلو» في ذلك مبتدئًا من الاحتياجات الأساسية حتى مستوى تحقيق الذات وكما يأتي:
الموقف الأول
اعتراض الضّبع على اختلاف طعام وحيد القرن عن طعامه:
- « وهل تسمّى هذه النباتات الشوكية، والأعشاب الخضراء طعامًا؟!...أما أنا فلا أحبها، بل أحبّ تناول اللحم الطازج.»
الموقف الثّاني
فرض مكان الاستسقاء والشرب، فباستعلاء واضح يتكبرّ الضّبع على وحيد القرن في موضوع اختلاف المشرب:
- «ومن أين تشرب الماء إن عطشت؟
- من النّهر القريب!
- أما أنا فلا أحب أن أشرب الماء من النهر القريب، بل أشرب الماء من النبع البعيد البعيد...فهو ألذُّ.» الموقف الثّالث
فرض الذّائقة الفرديّة في اختيار الأصدقاء:
- «وقلْ لي: هل الذئب زمرود صديقك؟!
- يا للعجب كيف لم تسمع بالذئب زمرود، فهو صديقي العزيز.
الموقف الرّابـــع
فرض الذائقة الفنيّــة والجمالية على وحيد القرن من خلال تفضيلــه مشاهدة فيلم» الضّباع الأنيقة «
- «هل شاهدتَ فيلم الضباع الأنيقة؟
أجاب وحيد القرن، وقد بده عليه الضجر، من سيل الأسئلة التي راج الضبع على رأسه صبًّ:
- لا لم أشاهده!
- كيف لم تشاهده فأنا أشاهده كل يوم.»
الموقف الخامس
فرض الذّائقة الفكرية من خلال فرض كتابه المفضّل على وحيد القرن:
«اقترب من وحيد القرن، وقال:
- أوووه.. هدّئ من روعك، وقل لي: هل حقًّا قرأت هذا الكتاب؟ يا لك من جاهل أنا لا أقرأ غير هذا الكتاب، إنه كتابي المفضل...أتسمع؟
وفي تصاعد غضب وحيد القرن في المقابل يرد عليه:
-- لا تنعتني بالجاهل وإلا جعلتك تندم.»
الموقف السّادس
فرض التوجّه الأخلاقيّ في تبنّي القُدوات، واعتراض الضّبع على اتّخاذ وحيدِ القرن من أبيه قدوةً له:
«ضحك الضبع بصوت عالٍ، حتى ملأ صدى ضحكته الأرجاء، ثم انقلب على ظهره من شدّة الضحك.»
قصّة « أنا لست أنت « من القصص المُشبعة بالدّيناميكيّة وتوالي المواقف وتسارعها نحو الذّروة عبرت عنها في المشاهد الأخيرة النّطحة التي جاءت معادلاً لتصاعد الحدث المفصليّ في رفض وحيد القرن للواقع الذي يحاول الضّبعُ فرضَه عليه وتوجيهه نحوه، فرفسه للضّبع فعل مباشر أدى إلى إسقاط الضبع من من برجه العاجيّ للتخلي عن ذاتيّته المحدودة، وكأنّ ذلك الطّيران الإجباريّ والمؤلم حرّرهُ من قيدَيْهِ النّفسيّ واللغويّ في الاستعلاء ورفض الآخر المختلف، ليحقق الكاتب تأثيرًا وجدانيًا على الطفل، فيستجيب كتلقٍ إلى مشاعر يدركها الطفل بعقله فتكوّن ثقافته، وتستوعبها نفسه فيتشكل وجدانه.
** **
- د. ريما زهير الكردي