خالد محمد الدوس
في عالم يتسم بالسرعة الحركية أصبحت الدبلوماسية من أهم الوسائل التي تمكن الدول من مواجهة التحديات الخارجية وتحقيق أهدافها والوصول لمراحل متقدمة من التطور.. وهناك أنواع متعددة من الدبلوماسية مثل الدبلوماسية التقليدية ودبلوماسية الأزمات, ودبلوماسية المخالفات, والدبلوماسية الاقتصادية, ودبلوماسية علم النفس والدبلوماسية الثقافية وغيرها من أنواع الدبلوماسية في ضوء علم الاجتماع السياسي.
وعبر هذه الزاوية نسلط الضوء على أحد أهم أنواع الدبلوماسية وهي (الدبلوماسية الثقافية) من واقع قراءة أهم معطيات كتاب الدبلوماسية الثقافية للمؤلفة د. وداد عبدالرحمن القرني يتناول ( الدبلوماسية الثقافية) باعتبارها أداة جديدة لخلق علاقات دبلوماسية أفضل، حيث إن تغير أفكار الناس مرتبط بنشر ثقافة بلدانها وهي تعتبر نمطاً جديداً متطوراً من أنماط الدبلوماسية الدولية, وتعني تبادل المعلومات والأفكار والقيم والنظم والتقاليد والمعتقدات وغيرها من الجوانب الثقافية بقصد تعزيز التفاهم المتبادل والسلام الدائم.
الكتاب يتألف من سبعة فصول يتناول الفصل الأول: مفاهيم عامة للدبلوماسية(تعريفها ونشأتها وأنواعها) وفي الفصل الثاني: يستعرض الدبلوماسية الثقافية مفهومها وأهميتها والثقافة والسياسة الخارجية.
ويناقش الفصل الثالث: الدبلوماسية الثقافية والعلاقات الدولية.. تتضمن البعد الثقافي في العلاقات الدولية وسوابق الاهتمام بالعامل الثقافي في العلاقات الدولية، بالإضافة إلى أهمية المتغيرات الثقافية في تحديد سلوك الفواعل الدولية, وكذلك الثقافة وهندسة السياسة الدولية.
فيما يتناول الفصل الرابع الدبلوماسية الثقافية والقوة الناعمة تتضمن مفهوم القوة الناعمة وأنماطها وحدودها والتفاعل بين القوة الناعمة والقوة الصلبة, وكذلك ثورة المعلومات والقوة الناعمة وتأثيرها على البناء الاجتماعي.
وفي الفصل الخامس يتحدث عن العولمة والإرهاب بشيء من التفصيل، فيما عرج الفصل السادس على تناول توجهات السياسة الخارجية السعودية وتشمل مبادئ السياسة الخارجية السعودية:محدداتها وأهدافها.
وأخيراً خصص الفصل السابع الأخير موضوع القوة الناعمة والدبلوماسية الثقافية السعودية, وتتضمن القوة الناعمة السعودية وأدواتها وانتصارات الدبلوماسية الثقافية والقوة الناعمة السعودية في ضوء رؤية المملكة 2030 .
*وتعليقاً على أهم معطيات الكتاب إن المملكة أصبحت تمتلك القوة الإقليمية الناعمة والمؤثرة في الوطن العربي وإقليم الشرق الأوسط والعالم الإسلامي، فقد بادرت المملكة إلى الانضمام إلى الدول القوية الأخرى التي تمتلك القوة الناعمة والمساهمة معها في التأثير على الساحة الدولية، ولعل الزيارات التي قام بها «مهندس الرؤية الوطنية» سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- إلى بعض الدول تعتبر نموذجاً مثالياً لتوظيف القوة الناعمة التي نتج عنها اتفاقيات في المجالات العلمية والتقنية الاقتصادية والسياسية والعسكرية بمليارات الدولارات.
ولا مناص أن السياسة السعودية الخارجية في هذه المرحلة تختلف عن غيرها بثلاث محاور هي: محور الثوابت، ومحور مواكبة المتغيرات، ومحور الحزم، فالمتابع للنهج السياسي السعودي منذ نشأة الدولة يلحظ تركيزها على الثوابت المتمثلة في أنها قبلة المسلمين وفيها الحرمان الشريفان ويقع عليها مسؤوليات التضامن والتعاون مع العالم أجمع بما يحفظ حقوق الأمة الإسلامية وتحقيق مصالحها في شتى أنحاء المعمورة، وكذلك احترامها للمواثيق والتعهدات والاتفاقيات الدولية ودعم المنظمات الدولية السياسية والحقوقية والاقتصادية والتعليمية.
*وفي هذا الصدد لا يمكن إغفال الدور الكبير والحراك الدبلوماسي الذي يلعبه عرّاب التنمية والقائد الملهم الأمير(محمد بن سلمان) .. اتجاه السياسة الخارجية السعودية، فقد أوجد خارطة جديدة للتحالفات تخدم تصوره العام لمستقبل البلاد وأمنها حيث أدرك أن الأيديولوجيات لا تضع سياسة والعصبيات لا تنمي علاقات وطيدة, فقد عبر بالمملكة نحو ما يصح تسميته بتحالفات الأضداد خدمة للمصلحة العامة، كما أعاد ترتيب علاقات المملكة بأشقائها العرب وتحالفاتها مع شركائها الخارجيين بفكر مبني على المبادئ الثابتة وبناء شبكة مصالح متبادلة تخدم الشعوب والمجتمعات.
* أما أدوات القوة الناعمة السعودية التي سلط الضوء عليها الكتّاب فهي تشمل عدة عوامل منها الثقافية، والتعليم والإعلام فضلاً عن استخدام الدبلوماسية الرقمية.
ولدى المملكة العربية السعودية مصادر ضخمة للقوة الناعمة وهي:
1- الحرمان الشريفان يعدان مصدرين مهمين للقوة الناعمة السعودية، إذ إنهما مهوى أفئدة أكثر من مليار ونصف المليار مسلم حول العالم ويزور الحرمين الشريفين ما إجماليه 41 مليون زائر كل عام وهذه الأعداد الضخمة لا بد أن تكون وسيلة لنقل رسالتنا للعالم.
2- الآثار والحضارات المتعاقبة على المملكة، فقد نجحت المملكة في تسجيل عدد من الآثار على قائمة التراث الإنساني العالمي الذي تديره اليونسكو ومنها مدائن صالح والدرعية التاريخية.
كما تمتلك المملكة عدداً من الأسواق التجارية التي تمتد لآلاف السنين ومنها سوق عكاظ، كل ذلك الرصيد الحضاري الذي يمكن أن يشكل نواة للقوة الناعمة السعودية لإطلاع المشرق العربي والعالم على مساهمتنا الحضارية التي بدأت قبل قرون من الزمن.
3- الموروث الثقافي: تزخر المملكة بموروث ثقافي ضخم يشمل عادات وتقاليد الإنسان العربي الأصيل المتمثلة في الكرم وإيواء الغريب وعادات وتقاليد القبائل العربية والأعراف التي تحكم نمط تعامل بعضهم مع بعض.
4- المبتعثون في الخارج: حول العالم يوجد عشرات الآلاف من السعوديين ينهلون من مختلف العلوم والمعرفة ويتفاعلون مع مختلف الشعوب والثقافات وهؤلاء لا بد أن يكونوا سفراء للمملكة على مستوى المؤسسات الأكاديمية. وكذلك في المجتمعات التي يعيشون فيها.
5- نيوم: تقع مدينة نيوم في موقع جغرافي مميز عالمياً، فهي بين ثلاث دول وبالقرب من الأسواق ومسارات التجارة العالمية وتعد من أهم مدن المستقبل على مستوى الابتكار والتطور المدني ,ولا شك ستكون (نيوم) مورداً مهماً للإبداع في العالم.