بعد صدور كتاب علم الجمال الماركسي، أثيرت جدالات عديدة حول اشارة ماركس إلى «منفعية» الفن. وانهالت الانتقادات حول موضوع المنفعية باتجاه واحد؛ وهو أن المنفعية بمفهوم النقاد هي «الكسب المالي» لا غير! كما أن المادية ذاتها كمنهج فلسفي لم تسلم من انتقاداتهم، حيث اعتبروها عنوة هي قياس كل شيء بالمال!
من يقيس بالمال أو الربح فقط، هم الرأسماليون الاحتكاريون في عصرنا. أما المادية الفلسفية: فهي اعتبار العاطفة وكل ما يتعلق بها من فن نتاج «مادة» المخ المتطورة لدى الإنسان. ولم تتطور تلك المادة لدى الكائنات الأخرى لأنها لم تكون مجتمعات كما الإنسان! فالمجتمع هو أساس تطور الوعي وما يرتبط به من فكر وفن. أما المادية الديالكتيكية أو الجدلية: فهي اعتبار أن كل شيء في تغير دائم، ولا يوجد كائنات ولا بيئة خارج هذه الحركة التطورية الدائمة.
المنفعة في الفن تتعلق بالهدف الرئيسي له. فهدف الفن الرئيسي: هو الارتقاء بالمجتمع ماديا وروحيا، وخاصة أن التطور الروحي أقل سرعة من التطور المادي والتكنولوجي. وأفراد المجتمع من جميع الاختصاصات والأعمال في حاجة ماسة للفن الذي يساعدهم على الارتقاء الروحي، من أجل ملاحقة التطور المادي المتسارع، وهذا بالذات ما يدعى «المنفعة» في الفن.
لا يجوز بالطبع نكران وجود الفن السلبي، الذي يحاول إعاقة الرقي الروحي للمجتمع، فهو بالتأكيد «فن». والفن الهابط الذي يحاكي الغرائز هو فن أيضا، وتشويه المفاهيم والخداع الفكري هو فن كذلك. ولكن «البقاء للأصلح»، فماكينة التطور الاجتماعي تسحق بلا هوادة تلك الفنون الهابطة، وتخلد الفنون التي تنشد الرقي الاجتماعي.
لابد من الإشارة هنا إلى أن الفنون لا تعترف بحدود ولا بمجتمع واحد، فالترابط المصيري بين المجتمعات المختلفة بالعالم، جعل الفن هو ارتقاء بالوعي الإنساني ككل، وأصبح الفن هو خط الدفاع الأول ضد محاولات مسخ إنسانية الإنسان، وجعله مجرد ترس يدور لتنمية كروش الرأسماليين!
من هذا المنطلق بالذات يتضح المضمون الراقي للمنفعة في الفن، فلا يجوز اتهام الفنان الذي يضحي بالمغريات الجمة أمامه، وقد يضحي بمصدر رزقه وبحياته، على أنه يبحث عن مكسب مالي.
** **
- عادل العلي