عالم الحكايا عالمٌ غريب ومخيف وأحياناً موحش فهو يتأرجع بين الإيداع والإبداع وبينهما الكثير من سرد التفاصيل بين اشباع بالحرف وسطر اقناع.
في هذه المرّة سآخذكم أيها القرّاء الكرام في رحلةٍ معي، مثل مَنْ يأخذ أحباب قلبه ويجلسهم ثم يستمعون له طواعية.. في الحقيقة والواقع الحكاية تبدأ حين وقف رجل وسلسلة طرفها بيده وباقيها في رقبته وقال:
أنت! أخبرهم عن بطولات أبي، هل فهمت؟
قال له مبتسما: لا ! بعد إذنك سأحكي حكاية الوردة حين حاورتها!
احمرّ وجهه، تنفّخت أوداجه نزع السلسلة واستقرّت بيديه، فوق رأسه، فقال يريد اقناعه:
من فضلك أرجوك خذ رشفة شاي أو قهوة
أنت نعم أنت اجلب له متكأً حالاً
اهدأ وتنفّس عميقاً، واقرأ بسم الله مجراها ومرساها، اسمع وإن لم تعجبك فاضرب بسلسلة ذرعها..، فقال الرجل الغاضب: سبعون كفّا!
جلس مطمئنا، وباتت الأمور مهيئةً للسّماع فقال:
دخلت بستان الهوى ثملاً، أبصرت وردة هناك تناديني
ذابلة، غريبة في انحناءاتها
اقتربتُ منها خائفا فقالت: أأنت شهيد الهوى؟
وقف الحرف في فمي راقصاً
سقطتْ من يدي قارورتي
فالتقت عيني بعينها هكذا، وأعادت السؤال بلهجة القائد: أأنت شهيد الهوى ؟
فقلت في نفسي ما لي ولهذه الوردة المخيفة؟!
فرفعت ظهري بأعجوبة ! يا ويلي وهي معي !
اختلستُ نظرة دهشا هل من أحد بجانبي؟
فبكت الوردة فجأة، تقاطر من ورقها ندى
بلعتُ ريقي الجاف، استعدتُ قواي فقلت في الحال: نعم أنا شهيد الهوى...
لكن لِمَ أنت ذابلة هكذا كأنك عاشقة؟
استقامت قليلاً، وضحكت بأعلى صوتها، وتوّرد خداها خجلا، تعثرت خطاي أملاً, فهوت علي تقبيلا ومطوّلا، هنا ترنّم حرفي راقصا..
فقلتُ لها : إليك عنك، رشفت بقايا من رحيقي
قالت : لا تخف دعني استجر حكايتك
أقبّلُ العاشقين، وأشمّ عبيرهم، لأحيا ويموتوا !
فأخذت قارورتي أدندن من فِيْها هكذا :
رشفتِ يا وردة السبات فمي
فاستجري مني بقايا ألمي
خذي ما شئت من دم عاشقٍ
فالحرف حرفي وحكايتي قلمي
اقترب صاحب السلسة أكثر، وقف أمامه، وعيناه كأن نظراتهما تطلق شرارا، والجميع كأن على رؤوسهم الطير!
سطر وفاصلة
كفّك يا أمي، راحةٌ في يديّ
أنفاسُك، عطرٌ آخّاذ
عذب في الروح نفّاذ
يملأُ قلبي، يعيش في عينيّ
آهٍ يا أمي يا تعب السنين
وأنّة الحيارى، ونظرة المساكين
يتسلّق في دمعاتي حزنٌ يسقط منذ أول صرخة
لَهَمٍ، يمزّقه الحنين
** **
- علي الزهراني (السعلي)