يعدّ أحمد البهكلي على المستوى الإنساني شخصية فريدة، فهو رجل نبيل، فاضل، خلوق، كريم، معطاء، متواضع ، صادق في تعامله، صدوق في كلامه، وفي لمحبيه، مخلص لأصدقائه، عفيف النفس، عف اللسان، مؤدب في جده وهزله، أديب حتى في حديثه العادي، يختار مفرداته بعناية، ولا يتحدث إلا باللغة الفصحى، يتحدث إليك في حديثه اليومي المعتاد، وكأنه يتحدث على منبر في جمع من الناس، تتدفق من فمه الكلمات العذبة المنتقاة، متحاشيًا الأخطاء اللغوية الشائعة، حريصًا على نطق الكلمات نطقًا صحيحًا، وكأنه يعلّم لا يتكلم.
وأحمد البهكلي رجل محب لفعل الخير، محب لكل الناس، يبذل ماله وجاهه، ويضحي بنفسه ووقته لخدمة الآخرين، صبور إلى درجة ربما يعجز عنها الصبر ذاته، وكم تحمل من آلام المرض، وكم تحمل من أذية، ولكنه لا يشكو ولا يتذمر، يشق طريقه بصمت، ويمضي في إنجاز مهامه بقدرة عجيبة على الصبر والتحمل والتجمل أيضًا، وكم ردّ الإساءة بالإحسان.
ولأنني خبرته وعرفته عن قرب، فقد أهديت إليه أطروحتي للدكتوراه وكتبت في الإهداء: إلى أحمد البهكلي: الشاعر الإنسان، الذي علمنا - بالفعل- كيف نحب الآخرين وندفعهم إلى الأمام، حتى وهم يجروننا إلى الخلف ويرموننا بالحجارة.
ولأن الكلمات تعجز أن تُجْمِل صفاته العظيمة، وخلاله الكريمة، فسأورد بعض الإشارات المختصرة التي تدل على بعض منها:
- إذا زرت أحمد البهكلي خرجت من عنده بهدية: كتاب، أو طيب، أو حكمة ، أو قصيدة.
وإذا زارك حمل إليك هدية أيضًا.
ففي شهر شوال من العام الماضي 1442هـ زرته في بيته أنا وحسين دغريري وناصر الحازمي، وخرج كل واحد منا بكتاب في تخصصه هدية من أحمد البهكلي - رحمه الله.
وفي نهاية الشهر نفسه التقيته في الرياض، وترافقنا لزيارة الدكتور محمد منور في بيته في الرياض، وإذا به بعد خروجنا يفتح باب سيارته، ويسلمني هدية، ويسلم محمد منور هدية أخرى.
- خلال فترة قيادته للكلية كان حريصًا جدًا على حضور المناسبات الاجتماعية لجميع أعضاء الكلية من أصغر موظف حتى أكبر أستاذ، يشارك الناس أفراحهم وأتراحهم، وما أقام أحد مناسبة فرح، إلا كان أحمد البهكلي أول الحاضرين والمساهمين، وما رزئ أحد بفقد قريب أو حبيب، إلا كان أحمد البهكلي أول المواسين والمؤازرين، وما مرض أحد إلا كان أول الزائرين.
واستكمالًا لهذه المشاركات الإنسانية الاجتماعية، بنى في الكلية خيمة سماها خيمة المناسبات، وأنشأ ناديًا لأعضاء هيئة التدريس، وكلا المكانين كانا مقرًا للاحتفال بنجاحات فريق العمل في الكلية ومناسباتهم.
ولم تكن مشاركاته الاجتماعية مقصورة على أعضاء فريق كلية المعلمين فحسب، بل إنه كان مشاركًا لكل معارفه، يفرح لفرحهم، ويحزن لحزنهم، وكم صحبته إلى أبها والدرب والشقيق وصامطة، وبيش وغيرها من الأماكن الكثيرة، في مناسبة فرح أو ترح.
يتصل بي، ويصر على الذهاب حتى وإن أبديت أعذارًا، وحاولت ثنيه عن الذهاب إشفاقًا عليه، ولكنه لم يكن يشفق على نفسه، ويرى أن مشاركة الناس أوجب الواجبات.
- سافرت معه أنا وزملائي د. يحيى حكمي، ود. عبدالعزيز حكمي، ود. ناصر الحازمي ود. مجدي خواجي أكثر من مرة خارج المملكة في مؤتمرات علمية، وكان خلال هذه الرحلات نعم الرفيق في السفر، وعلى الرغم من فارق المسافة بيننا وبينه لمصلحته طبعًا –علمًا وأدبًا وخلقًا وتقى- فإنه كان يتحول إلى أخ أصغر يعلمنا بحبه وتواضعه وأدبه الجم كيف نرتقي في تعاملنا؛ وكيف يمكن أن نفيد من رحلاتنا.
وكان أكثر جلدًا منا في حضور الجلسات العلمية والنقاشات، وكان أكثر حرصًا منا على اكتشاف المكان وآثاره وحضاراته، وثقافته، بل إنه في كل يوم كان يعد خطة سياحية ثقافية خصوصًا بعد انتهاء أيام المؤتمر، نعجز عن مجاراته فيها، ونعجز عن إتمامها، وكان محبًا للتصوير والتوثيق، حريصاً على الإفادة من كل لحظة من لحظات الرحلة.
- أحمد البهكلي صاحب رأي ورؤية، ولذلك كان رأيه حاسمًا في كثير من الاجتماعات الرسمية والثقافية والاجتماعية، فهو صاحب حجة وبلاغة ومنطق وتجربة وخبرة، لا يجازف بالكلام، ولا يسابق إليه، ينصت للجميع بكل روية، ويصبر على المتحدث مهما طال كلامه، ويأتي في النهاية كلامه مقطرًا، حاملًا الحكمة والحجة والإفادة.
- أحمد البهكلي رجل مخلص في عمله، نزيه، حريص على المال العام، دؤوب ومثابر وجاد ومجتهد، يتعب من معه، ويتعب من يأتي بعده.
- أحمد البهكلي كان أمة في رجل.
ولذلك فإن الفراغ الذي تركه برحيله كان هائلًا وعظيمًا بحجم حضوره.
رحمه الله رحمة الأبرار، وأسكنه الفردوس الأعلى في الجنة.
** **
أ.د. حسن حجاب الحازمي - عضو مجلس الشورى