كنت أقول لبعض أصدقاء الحياة الخلّص: قول معن بن أَوس المزني:
لعمري لا أدري وإني لأوجل
على أينا تعدو المنية أول
ولما أَودى أخي وصديقي: أحمد بن يحيى البهكلي رحمه الله تعالى: حوقلت، وصبرت، وقلت: أشكو إلى الله تعالى: فراق أخي أحمد، ثم ذكرت عمراً طويلاً في رحاب صحبة أبي عبدالرحمن عبر النصف الأول من القرن الخامس عشر الهجري، وقبله بقليل، وذكرت من مناقب أخي العزيز: خلقه، وصدقه، وعلمه، وتمكنه من زمام اللغة العربية وفقهها، وآدابها، وسعة أفقه، وبعد نظره... وعاد بي الخاطر إلى زيارته الأخوية لي في منزلي بمدينة الرياض، وكأنه أتى يودعني - رحمه الله- وصدق الميداني، إذ قال:
فقد الإخوان غربه
أقول: يوافق حالي، وحال أَهل جازان، ومدن العلم فيها قول الشاعر: علي بن محمد البهكلي إلى علماء: زبيد، يندب أخاه: عبدالرحمن بن محمد البهكلي (1212 - 1271هـ)
أبلغ زبيد ومفتيها وقاضيها
وكلّ حاضر ناديها وباديها
واخصص بذلك أهل العلم عن كمل
وجملة الخلق قاصيها ودانيها
كذا العشائر من أَبناء والدنا
وحافظ الوقت في ماضي لياليها
مَنْ كان في ضمد الفيحاء غيرهم
من ساكنيها ومن قد كان بانيها
وقل لهم: أَحسن الله العزاء لكم
وعظم الأجر مولى الخلق باريها
رحم الله أَخي أباَ عبدالرحمن واسطة عقد البهكليين: العلماء الأدباء في زماننا وعفا عنه، وأسكنه فسيح جناته، ورفع منزلته عند مليك مقتدر، ولقد قلت عنه في مجموع: «المنتقى من مخطوطات الجزيرة العربية ووثائقها المحلية...» وحيث قيل: بأن تلك الآثار عبّرت عن تجارب أصحابها، ووقائع مجتمعاتهم، فإن منها: النوازل التي فتكت بالناس بأمر قد قدّره الله وكتبه... فمن تلك الحوادث ... حطمة سنة (973هــ- 1565م) المعروفة في [تهامة] بسنة أم العظام التي ارتجل من أجلها في مصلاه القاضي: محمد بن علي بن عمر الضّمدي (883 -990هــ) قصيدته اللامية الشهيرة:
إن مسّنا الضّر أو ضاقت بنا الحيل
فلن يخيب لنا في ربنا أمل
ومن تلك النوازل أيضاً... حادث سيل عام (1201هــ/1786م) الذي اجتحف المسجد الجامع ببلدة ضمد، فبكاه القاضي: أحمد بن الحسن البهكلي (1153-1233هــ) بقصيدته الشهيرة ذات المطلع:
لخالقنا في أمرنا الحلّ والعقد
وليس لما يقضيه منع ولا رد
ذلك الحال الذي استنكر فيه الباحث غفلة: الشعراء، والأدباء في بلادنا، وعدم تفاعلهم مع الحادث في مقاله الشهير: «من لنا ببهكلي آخر يبكي تهامة وقراها» سنة (1402هـ/1982م) والذي تفاعل معه في العالم نفسه: شاعر تهامة وأدبيها في زماننا الصَّديق السميدع: أحمد بن يحيى البهكلي بقصيدته الغرّاء ذات العنوان: «تهامة: الشجن المتجدّد»، يعارض فيها جدّه، ومطلعها:
الذي أَشجاك يا جدّ شجاني
غير أني غشت في هذا الزمان
... وفي زماننا وقع الداءُ العضال: جائحة كورونا[COVID-19] (1441هـ/2020م)...» وفيه يقول الشاعر: الأديب: أحمد بن يحيى البهكلي نفسه فقيد البلاد والوطن رحمه الله تعالى:
مقيم آمن في قلب داري
وأهلي رأس مالي في الجوار
نعم! هي عزلة لكن فيها
توقِّي ما يسوق إلى العثار
وفيها البعد عن عدوى وباءٍ
يجُوسُ بدائه خلل الديار
** **
- أ.د. عبدالله أبو داهش