«الجزيرة الثقافية» جابر محمد مدخلي - أثير الدعباس:
في هذا المحور نستطلع مع المثقفات العوامل الأخرى لمحورنا (السابع)، الذي تستطلعه «المجلة الثقافية»، في سياق المحاور السابقة، بالإضافة لنظرة المجتمع ولسانه، التي ساعدت في إبعاد المرأة العربية الكاتبة عن المرور بتجربتها الأنثوية في الحمل والولادة.. فما تعكسه المشاركات حول هذا المحور جعلنا نصل إلى قناعات إضافية أنّ المرأة متفرّدة في الكثير من الصفات التي تخصّها وحدها. ولنطلّع على ما حُزنا عليه من تفاعل مع محورنا هذا.
الكاتبة التونسية فاطمة حمزاوي، استهلت حديثها عن هذا المحور، بقولها: «الاستكانة إلى ما هو مألوف والخوف من المبادرة وردود الأفعال جعل المرأة العربية تسكت عن التطرّق إلى تجربتها الأنثوية باعتبارها من «التابوهات» في مجتمعنا العربي ما قد يثير حفيظة المتلقّي، ولأن هذا المجتمع جندري بالأساس فسيُقفل دائماً الباب دون صوتها ورُؤاها ومواجعها وسيكون صداها خفيضاً لا يكاد يُسمع. تحتاج المرأة العربية إلى إعادة بناء الثقة: ثقة في نفسها وثقة في عالمها الخارجي، إذ لا فائدة من المطالبة بحقّ القول والتعبير مادامت لن تُمارسه أو تستفيد منه للتّحليق.»
أما الإعلامية العُمانية فاطمة بنت ناصر، فقد استهلت حديثها حول هذا المحور، بقولها: «هناك تقليل من شأن هذه العملية العظيمة ويرى الناس أن هذا الدور طبيعي تقوم به حتى الحيوانات، فلماذا تكبير الأمر حين يصل الأمر بالمرأة! وهذه مغالطة كبيرة وكارثية ولكنها موجودة ولا يمكن إنكارها. المرأة بتجربة الأمومة في هذا العصر خاصة تدرك أن الأمر ليس بتلك السهولة التي يدعيها الناس والذكور بالأخص. فالتحديات كبيرة والأسئلة الوجودية التي تخطر في بال الأم اليوم كبيرة وعميقة تجعل تجربتها الأمومية مختلفة جداً عن جيل من سبقها.»
فيما قالت الأكاديمية أمل محسن العميري: «ربما حفاظاً على صورتها أمام مجتمعها المحافظ، فليس كل ما يكتب ويقال يعد مقبولاً عند بعض المجتمعات هذا أمر، والأمر الآخر أنها تعبر بطريقة غير مباشرة عن تقلباتها تجاه ما يحدث لها بشعورها بالحزن وأوجاعها من الحياة وما ذلك إلا بسبب تقلباتها النفسية في تلك الأحوال، فليس من الضروري الإفصاح عنها ولكن ما يحدث بسببها هو ما تخرجه في بوحها.»
من جانبها قالت المحامية مرام صنيدح الزلامي: «في أنّ شعور المرأة بالعار تجاه طبيعتها، وتجاه ما تمرُّ به من تغيرات، جعلها تحاول جاهدة ألا تُشير بشكل واضح ومفصّل لما هي عليه، أو قد يتجاوز الأمر ذلك وهو ما ألحظه أنا، أن المرأة تحاول ألا تفصح عن طبيعتها البشرية عن معاناتها لأن ذلك جعل الرجل يستغل كل ما تمر به المرأة من ظروف طبيعية من (ألم، ولادة) وغيرها لصالحه من خلال وصمها بالضعف والعجز واستعمال تلك الطبيعة البشرية لإقصائها والنظر لها بدونية.»
وأضافت الروائية لطيفة هيف، قائلة: «عادة كتابة التجارب الشخصية في المجتمعات المحافظة تأتي مقولبة أو بصيغة قولية حكيمة، وقد تكون تجارب ممتعة لعاطفتها أكثر من أن تكون تجارب عصيبة قصيرة يجب اتخاذ اللازم حيالها، أو قد يكون لتكرار يقفد الدهشة عاملها المغري والجاذب للتدوين.»؛ فيما نسبت القاصة حليم الفرجي في إجابتها أهم الأسباب إلى: «الخوف من الانتقاد والخجل وعدم التصالح مع الذات والإقصاء الذي مورس على المرأة هذه أيضاً من أهم الأسباب التي تجعل الكاتبة تأنف عن كتابة ما ذكرت.»
من جانب في سياق هذا المحور قالت الكاتبة كفى عسيري: «قد تكون هي شخصيًا ترى أن ذلك عائقا لها لذلك فضّلت أن تختار طريقا واحدة.»؛ فيما أضافت الكاتبة تغريد العلكمي قولها:»هي نفسها أكبر عامل حين لا ترغب في التغيير ولا تقتنع به أو حين تخاف من الخروج من هذه الدائرة التي وضعت بها.»، فيما ذهبت الشاعرة هند الحربي إلى عامل نفسي، ربما يكون معقداً لا يمكن تفكيكه مطلقًا، حيث قالت: «الفتاة لدينا تنتقل من مرحلة إلى مرحلة أخرى بمصاحبة الغربة والتقزّز من ذاتها وجسدها، ثم بعد ذلك عليها أن تغطي هذا الجسد لأنها مسؤولة عن جعل الذكور يطمعون به، ثم هي لا تدري ما جسدها وما تكوينه التفصيلي، وهذا محبط وغير إنساني بالمرة.»؛ فيما اختتمت هذا المحور القاصة هيفاء العمري، بقولها: «الثقافة الاجتماعية بشكل عام وتضافر بعض القوانين في وقت مضى هي من شكلت هذا الخرس الانتقائي وآثاره النفسية أعمق مما نراه.»
وبانتقالنا إلى آخر محاور ملف المرأة بين ولادتيها الإنجاب والإبداع. الذي نطرح فيه آخر المحاور، في هذا السؤال: برأيكن ما الذي جعل المرأة تترك للرجل تبني مصطلحات الولادة ومشاعر المرأة الخاصة وسردها بصوته ومن منظوره الذي لم يكن له تجربه فيه متحولةً بدورها إلى قارئة لما لم يعيشه سواها؟!
الكاتبة فاطمة الحمزاوي، قالت: «هو التنازل طواعية عن التعبير وترك الآخر يقول عنها ما ترغب هي في قوله، بما أن هذا الآخر يملك أحقّية التّعبير والجهر بالصّوت بدلا عنها. علينا أن نعترف أنّه ورغم الشّوط الكبير التي قامت به المرأة للحصول على فرصة إيصال صوتها إلا أنّها تُفضّل أن تغتنم هذا الإنجاز للمشاركة في الإبداع الثقافي كتجربة إنسانية مُطلقة تاركة مميّزاتها البيولوجية الطبيعية مَخبوءة.»
أما الإعلامية فاطمة بنت ناصر، فقالت: «هذا أمر مؤسف جداً ولا نزال نشهد مجالس ومحاضرات ومؤتمرات تناقش حقوق المرأة وقضاياها في ظل غياب المرأة التام عن ذلك النقاش. وأرى أن الوقت قد حان أن تقيم المرأة مجالسها الخاصة لمناقشة قضاياها ونشر الوعي عن هذه القضايا فهي الأدرى بها من غيرها، وليس بإمكان أحد أن يأخذ حق شخص آخر فصاحب الحق هو وحده القادر على أخذه».؛ فيما أضافت الأكاديمية أمل محسن العميري ، قولها : «هذا السؤال مرتبط بسابقه فكما قلت قد يتاح للرجل ما لا يتاح للمرأة وإن كانت هناك فيما أظن من عالجت هذا الأمر في بعض نصوصها القصصية على لسان شخصيات قصتها، وإن كانت هذه الأعمال قليلة في هذا الأمر فمرده كما ذكرت خشية سلطة المجتمع ورؤيتهم التي ما زال لها اعتباراتها.»
أما الأستاذة مرام صنيدح الزلامي، فقالت: «إنّ المرأة لم تترك للرجل المساحة، بل هو من اقتحمها زاعمًا أنه يملك القدرة على التعبير عن كل ما تمرّ به المرأة بتمكّن وهو زعم خاطئ في نظري.. فإن السرد الأنثوي النابع من روح التجربة والمعاناة يختلف اختلاف جوهري عن السرد الذكوري النابع من تصور ذهني فقط، عليه فإن تجربة الرجل لم تكن متكاملة ومؤثرة وإن نجحت.»
فيما قالت الروائية لطيفة هيف ، في سياق حديثها عن هذا المحور: «لكنه نسبي أيضًا، قل من الكتّاب من يكتب بلسان بطلات وكذلك العكس، وقد يُشار للرواية التي تختلف في طرحها عن هذا بالإبداع، وإن دل فهو يدل على أن الكاتب/ ـة يبقى تحت تأثير تجاربه مهما حاول التنحي عنها، ثم أن الأم هي الصلة الأقوى فتأثير تجاربها قد يظهر في كتابات كتّاب كثر.»
فيما ربطت القاصة حليم الفرجي حديثها في هذا السياق قائلة: «الخوف من نظرة المجتمع والخجل وعدم التصالح مع الذات أيضاً والإقصاء الذي مورس عليها كثيراً جعلها تقف موقف المتفرج والقارئ لتفاصيلها على لسان رجل.»؛ بينما علقت الكاتبة كفى عسيري، بقولها: «الحالة الكتابية ليست حصرا على أنثى أو ذكر؛ قد ينجح في تصوير الحالة وهي تفشل.. لكن عندما يكون لديها هذه الموهبة فهي معنية بالمنافسة في إطار المنتج الأدبي فقط ليس تقسيم الأدب بين ذكر وأنثى.»
وقالت الكاتبة تغريد العلكمي: «الخوف من نظرة القارئ، والخوف من سوء التفسير، وكذلك الخوف من التعبير.»؛ فيما وصفت الشاعرة هند الحربي السؤال بأنه مثير للشجن، والغضب، قائلة: « لأن الرجل كائن نصّب نفسه عارفاَ لديه دلو ويجد أنه من الرائع أن يدلي به بلا طلب.»؛ فيما تابعت القاصة هيفاء العمري التي رأت أنها مسألة نسبة وتناسب، قائلة: «الإنتاج الأدبي للرجل يشكل في تقديري 70% من مجمل الإنتاج العالمي، إضافة إلى أن الرجل يتمتع بحصانة اجتماعية عن العيب، ثانيا خيال الكاتب أياً كان جندره حر فيما يحاول وصفه؛ كاتبات كتبن قصصاً بوليسية وفنتازيا وكتاب جعلوا أبطال قصصهم نساء، في الأدب تتقلص الفوارق.»