- 1 -
كانت المؤسسة الثقافية لدينا مدارَ نقد المثقفين على امتداد العقود الأربعة الماضية، وكانت تطلعاتهم معقودة – أو هكذا تبدو – على ولادة مؤسسة ثقافية مستقلة، أو تطوير المؤسسة المكلفة بإدارة الفعل الثقافي (كالرئاسة العامة لرعاية الشباب حتى عام 2004م ثم وزارة الثقافة والإعلام حتى عام 2016م)، وتبعاً للنقد المتصل بالمؤسسة الثقافية وشؤونها طُرِحت خلال هذه المدة مجموعةٌ من الرؤى والأفكار، بعضها من مثقفين فاعلين وبعضها من داخل المؤسسات، تهدف في الجملة إلى إنشاء تكوين مؤسسي جديد لإدارة الفعل الثقافي (كتوصية مجلس الشورى في عام 2012م بإنشاء المجلس الأعلى للثقافة)، أو تطوير ما تفرّع من المؤسسة الثقافية المكلَّفة (كدراسة وزارة الثقافة والإعلام - قبل عشر سنوات تقريباً - فكرةَ تحويل الأندية الأدبية إلى مراكز ثقافية).
وقد تراكم هذا النقد وتشظى حتى بدت معه فكرة قيام مؤسسة ثقافية جديدة، أو إصلاح المؤسسة القائمة بمثابة الحل السحري لجميع المشكلات التي يعاني منها الفعل الثقافي، ويبدو أننا ما زلنا مقيّدين بأثرٍ من تلك التجربة، فمن يبحث اليوم عن أكثر الأسئلة إلحاحاً في تفاعلنا الثقافي يجدها مرتبطة بالمؤسسة الثقافية، كالسؤال المتكرر عن مستقبل المؤسسات الثقافية القائمة، والهيئات الثقافية الجديدة، والمنظمات الثقافية غير الربحية.
- 2 -
لا أريد هنا التقليل من أهمية السؤال عن المؤسسة الثقافية، ولا من أهميته في هذه المرحلة تحديداً، بل أريد التنبيه إلى أن هذا السؤال يبدو للراصد اليوم وكأنه السؤال الوحيد في تفاعلات مشهدنا الثقافي، إما لأنه كذلك بالفعل، وإما لأنه بلغ درجة من التضخّم أدت إلى حجب الأسئلة الثقافية الأخرى، وربما الأكثر أهمية!
إنّ سؤال المؤسسة مع أهميته التي لا تخفى على أحد أقلُّ مما تتطلبه هذه المرحلة التي نشهد فيها تحولات كبيرة في السياق الثقافي العام، تجاوزتْ بكثير ما كان يؤمّله بعضنا أو يتوقعه، وقد أسهمت هذه التحولات في تحريك قطاعات ثقافية كانت إلى وقت قريب مهمّشة أو معطلة أو بعيدة حتى عن اهتمام المثقّفين، وتحريكُها يعني فتحَ الباب لحراك ثقافي متنوع، وقطاعات ثقافية جديدة، وتواصل ثقافي مختلف، وأهداف وتطلعات بعيدة، وهذا المكتسب وحده كفيلٌ بإنشاء حقول كبيرة للسؤال الثقافي النوعي، الذي يبحث في المنطلقات والرؤى، والوسائل والأدوات، والرسائل والغايات، وحِزَم التطوير، وآفاق الاستثمار، وهي أسئلة قابلة للنمو كماً ونوعاً مع تنامي القطاعات الثقافية.
- 3 -
إنها أسئلة خارج حدود الإدارة الثقافية، تتصل برؤية المثقف للفعل الثقافي في هذه المرحلة، وبما لديه من أفكار مختلفة حول إسهام الثقافة في التنمية، وحول موقع الثقافة من الرؤية الوطنية، وحول المنتظر من الفعل الثقافي في عالمٍ مثقل بالأحداث المفاجئة، وحول الفكر والإبداع في عالم ينسحب شيئاً فشيئاً من فكرة (النماذج المستقرة)، وحول التواصل بالفعل الثقافي ومن خلاله، وحول كيفية صناعة التوازن في الفعل الثقافي، وحول مفهوم الانفتاح الثقافي وإشكالاته الجديدة، وحول إنتاجنا الثقافي وقدرته على المنافسة، وتراثنا وآليات توثيقه وتمثيله واستثماره، والمختلف أو الجديد في خطاباتنا من خلال القطاعات الثقافية الجديدة...إلخ.
- ما حجم هذه الأسئلة في تفاعلنا اليوم مع المستجدات الثقافية؟
- ما حجم حواراتنا الثقافية العميقة على هامش رؤية 2030؟
- ما حجم الأسئلة والإضافات والحوارات المعيارية أو التفهّمية التي سجلناها على هامش ما أعلن من الخطط الإستراتيجية الثقافية؟
لعل الإجابة التي أتوقعها عن هذه الأسئلة..
أهمُّ ما يمكن أن يصل!
** **
- د. خالد الرفاعي