عطية محمد عطية عقيلان
منذ عقود كانت الأمية تعني عدم القدرة على القراءة والكتابة وتم مواجهتها بعدة برامج لمحوها ونجحت إلى حد ما، ومنذ الألفية الجديدة بدأت مرحلة جديدة من الأمية، فلابد من أن تكون لك شهادة جامعية ومن ثم أصبحت هناك متطلبات أخرى مثل الخبرة وإجادة لغة أخرى ويفضل اللغة الإنجليزية، إلى أن وصلنا إلى مرحلة الأمية الرقمية في القرن 21 ، بعد أن تحولت كافة مناحي الحياة وتسهلت عبر التعامل بالأجهزة الذكية وأجهزة الكمبيوتر، وأصبحت تقدم أغلب الخدمات عبر هذه التقنية الرقمية أو التعامل عن بعد، وغدت اللغة الرقمية أو التكنولوجيا حاجة أساسية ومهارة مطلوبة لتستطيع أن تسهل عليك حياتك وعملك وتوفر الوقت والجهد والمال، لكي لا تكون من أمي في هذا القرن، وهذا التطور التكنولوجي في الخدمات والتواصل يتم بسرعة فائقة تتطلب مواكبة لها من الأفراد وسرعة لمجاراتها والقدرة على الاستفادة منها، وانعكس ذلك بشكل مباشر على متطلبات سوق العمل والوظائف المستقبلية والتي تحتاج إلى تخصصات ومهارات مرتبطة بالذكاء الصناعي والبرمجة والأمن السيبراني والطاقة البديلة والقدرة على تحليل البيانات ...الخ، وأصبحت من شروط ومتطلبات الحصول على العمل والأفضلية في التوظيف لمن يتقن التعامل باحتراف مع التقنية الرقمية، وغدى هناك سباق محموم من دول العالم المتقدمة لإنشاء مناطق لجذب المبرمجين والعقول والمستثمرين على غرار ما تم في وادي السليكون (silicon valley) نسبة إلى هذه المنطقة الموجودة في خليج سان فرانسيسكو في ولاية كاليفورنيا الأمريكية والتي تضم عدداً من المخترعين والمبرمجين وتنتج التقنية العالية وتقدم خدمات الإنترنت التي تجذب الاستثمارات والعقول من كل مكان في العالم وتساهم في ثلث العائدات الاستثمارية في البرمجيات وخدمات الإنترنت في الولايات المتحدة الأمريكية. لذا تحتاج هذه المرحلة من كل فرد حد أدنى من المعرفة الرقمية ليستطيع أن يستفيد من الخدمات وكيفية التعامل معها، مع حاجة رجال الأعمال إلى علم تقني يستطيع من خلاله أن يقيم المعلومات والبيانات الخاصة بعمله وبناء الإستراتيجية المناسبة واتخاذ القرار الأفضل، حتى للعاملين في القطاع الطبي أو الهندسي أو التعليمي أو الزراعي غدت المعرفة الرقمية مهمة في تطويرهم وتميزهم للملم والقادر على تطبيقها والاستفادة من كل جديد وتكنولوجيا وبرمجة رقمية.
وللتقدم والتطور لا بد أن نخفف من مستوى الأمية الرقمية في حياتنا ومجتمعاتنا ونتدرب على معرفة كيفية التعامل الأمثل مع هذه التكنولوجيا الرقمية، لأنها سوف توفر الوقت والجهد والمال، وهي خيار إجباري لتطوير مهاراتك وبقائك في سوق العمل، ولنحفز أبنائنا على توسيع آفاقهم وخيالهم في التكنولوجيا الرقمية والقدرة على التواصل والبرمجة والتحليل وليس التسوق فقط، وستكون الأفضلية التنافسية والحصول على أي وظيفة ملائمة مرتبطة بشكل كامل بمدى المعرفة الرقمية للشخص، وستصبح أسوة بمعرفة القراءة والكتابة وبدونها ستتحول إلى أمي رقمي، وسط انعدام وقلة الفرص الوظيفية من ذوات الدخل المنخفض، وما يميز المعرفة الرقمية أنها متاحة بسهولة فقط تحتاج إلى تكثيف القراءة والاطلاع عبر مختلف المنصات الاجتماعية على المعلومات المتوفرة مع إمكانية أخذ دورات عبر «الأون لاين» وقد تكون مجانية أحياناً، المهم أن تؤمن أن الخيار المتاح والسبيل الوحيد في إيجاد فرصة عمل مناسبة وبدخل مجزي هو مدى إلمامك الرقمي وقدرتك على التعامل معها والتعلم المستمر لكل جديد دون توقف وتطويعها في سبيل الارتقاء بمهامك، وسيكون أكثر المعايير في التوظيف والارتقاء في المنصب هي التمكن والجودة في التعامل مع التكنولوجيا الرقمية والبرمجة وفهمها، من أقوال مارك زوكربيرج مؤسس فيس بوك «كل أصدقائي الذين لديهم شباب يذهبون إلى الجامعة أو الثانوية نصيحتي الأولى دائماً: يجب أن تتعلم كيف تبرمج».