أ.د.عثمان بن صالح العامر
في يوم الوطن صفحات عدة تُقرأ، ويتفكر بها، ويعاد النظر فيها، وتحظى بالحوار والمناقشة والبحث والدراسة من قبل الباحثين أهل الاختصاص، ومن بين هذه الصفحات بل من أهمها في نظري (العلاقة السعودية- الأمريكية) التي بدأت منذ عهد المؤسس الباني جلالة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود ولا زالت. ومع تعدد القراءة والاطروحات والأبحاث والدراسات التي ابحرت في هذا الموضوع المفصلي الهام إلا أنها غالباً ما تقف على أرضية غريبة، وتنطلق غالباً من قناعات مسبقة ذات انحياز تام مجافٍ للحيادية وبعيداً عن التجرد العلمي.
أدوراد ريس، في كتابه (التوسع الأمريكي عسكرياً وسياسياً في الخليج) الذي نشرته دار التقدم بموسكو سنة 1989م تحدث عن هذا الموضوع من وجهة نظر أخرى تعكس -من خلال الوثائق والحقائق التي اطلع عليها الكاتب- قوة الموقف السعودي منذ اللقاء الأول الذي جمع الملك عبدالعزيز رحمه الله بروزفلت في 14 شباط (فبراير) 1945م حيث (برزت أثناء اللقاء خلافات بين الولايات المتحدة الأمريكية والسعودية، حول جملة من مشاكل الشرق الأدنى، فعلى وجه التحديد رفض ابن سعود اقتراح الرئيس الأمريكي بشأن توطين اليهود (من متضرري الإرهاب النازي) في فلسطين، ونوه بأن الجور الذي الحق باليهود يمكن إصلاحه على حساب ألمانيا)، وقال الملك: (إن الألمان حرموهم من ديارهم وأبادوهم، لذا فعلى الألمان أن يدفعوا الثمن).
وبناء على هذا الموقف الواضح والصارم ما كان من روزفلت اضطراراً إلا أن يعطي (وعداً بأن الولايات المتحدة لن تقدم على خطوات يمكن أن تكون موجهة ضد مصالح العرب، ولن تغير سياستها تجاه فلسطين دون مشاورات مسبقة مع العرب واليهود). ولكن للأسف لم تفِ السياسة الأمريكية بوعدها للملك عبدالعزيز، مما جعل مدير قسم الشرق الأدني وأفريقيا في وزارة الخارجية الأمريكية يبعث بمذكرة خاصة إلى القائم بأعمال وزير الخارجية أكد فيها أن دعم الرئيس الأمريكي للصهيونية ليس فقط يشطب النتائج الإيجابية التي أسفر عنها لقاء روزفلت مع ابن سعود، بل وأن يؤدي إلى إراقة دماء حقيقية في الشرق الأدنى، وإلى تعريض الامتيازات النفطية في السعودية إلى الخطر، بل وحتى إلى دفع العرب إلى السوفيت).
لقد استخلص الكاتب من شواهد عدة ساقها في ثنايا الكتاب إلى أن حكام السعودية يتمتعون بقدر كبير من الاستقلالية، ويتصرفون حسب ما يناسب مصالحهم الذاتية. ويضيف الكاتب على ما سبق فيقول: (..وتجدر الإشارة إلى ناحية أخرى لا تقل أهمية، هي أن علاقة العربية السعودية المتينة بالولايات المتحدة لم تجبرها يوماً ما إلى توجه وحيد الجانب حصراً على واشنطن. وكانت هذه سمة مميزة لسياسة الأوساط السعودية الحاكمة إزاء تحديث القوات المسلحة للمملكة -على سبيل المثال - إذ كانت السعودية تشتري الأسلحة الانجليزية والفرنسية، فضلا عن السلاح الأمريكي، وكثيراً ما كان يعمل في الجيش السعودي خبراء انجليز ومصريون، إلى جانب المستشارين والخبراء الأمريكان).
ومع هذا كله هناك من كان وما زال يدندن حول تبعتنا المطلقة للولايات المتحدة الأمريكية، ويحاول أن يلغي صفحات التاريخ التي تدلل بالأدلة القاطعة (الاستقلالية والقوة للمملكة العربية السعودية) منذ عهد المؤسس الباني رحمه الله وإلى اليوم، حيث ننعم بعهد العزم والحزم، عهد مولاي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وسيدي صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد الأمين ودمت عزيزاً يا وطني وإلى لقاء والسلام.