سهوب بغدادي
الجميع يحب القهوة، ربما عدد كبير من الأشخاص، لكي أكون أكثر دقة. ولكن هناك فنجان قهوة في حياة الشخص ليس كغيره، ربما لتزامنه مع موسيقى عذبة، أو منظر أخاذ، أو رفقة استوطنت الروح وغيرها من المعطيات التي تشكل ارتباطاً شرطياً على مر الزمان لدى عاشق القهوة. هي رشفات من النشاط أحياناً وجرعة من المواساة والطمأنينة في أوقات كثيرة، باعتبار ها مرتبطة شكلاً ولوناً وطعماً ورائحةً بأحاسيسنا الدافئة والسرية، فتأخذنا منا إلينا ونعود إلى أنفسنا التي نسيناها منذ مدة. لست متأكدة إن كان الوصف السابق ينطبق عليك عزيزي القارئ لأن الشخص قد يلجأ إلى أمور أخرى كملجأ بعد الله سبحانه وتعالى لتهدئة ذاته، ولكنني اختصصت القهوة اليوم نظراً لموقف تعرضت له منذ مدة قريبة، كان يوماً عادياً عندما استيقظت باكراً للذهاب إلى العمل، وقد كنت ألملم قواي لكي أبدأ اليوم الجديد بعد ليلة طويلة وشاقة من التفكير والتفكر والبحث والكتابة أخيراً، بهدف تسليم تقرير مفصل، لتأتي ساعة الانطباعات التي جاءت منافية لكل توقعاتي بأنني أبليت بلاء جيداً وليس أكثر في أسوأ الأحوال، «التقرير سيء ولا يرقى للتوقعات»، تقبلت الرأي الآخر بروح رياضية لأذهب إلى البنشر بعد انفجار في الإطار لا أعلم سببه ولكن الله سلم، لأتصل بوالدي لأخبره أنني لن أعود إلى المنزل على الوقت المعتاد، فقلت بكل عفوية،» هل تريد أن أجلب لك قهوة؟ فقال لا بأس»، في تلك اللحظة كانت القهوة مجرد عذر لكي أشغل تفكيري عن أمور اليوم والماضي والغد وبعد غد، لأختار المقهى غير المفضل بالنسبة لي ولكنه المفضل لوالدي -حفظه الله- مررت بنافذة طلبات السيارات، فوجدت شابا في مقتبل العمر يقرأ كتاباً، فما لبث أن رآني حتى أغلق الصفحات بطريقة مفاجئة، وقال «تفضلي، قلت له، ما الكتاب الذي تقرأه؟ فتبسم وقال لن أقول، اعتقدت أن بعض العناوين قد تعد محرجة، فقلت له لن أقول لك طلبي حتى تخبرني باسم الكتاب، فأراني بعد إلحاح، من ثم اقترحت عليه عنواناً مشابهاً ولكن أشمل وأكثر انطباقاً على الحياة اليومية، وقلت له بعد ذلك طلبي، من ثم اعتذرت له بأنني نميت عادة سيئة بأنني لا أستطيع أن ألمح كتاباً دون معرفة العنوان فالقراءة بالنسبة لي محفز ودافع للكتابة، فقال، أعرفكِ! فقلت كيف؟ فقال أتابعك منذ مدة طويلة على تويتر، فلم أدقق فيما قال كثيراً وظننت أنه أراد أن يخفف من وطأة الموقف الغريب، فاتجهت إلى النافذة التاليةلاستلام الطلبات، وانتظرت قليلا ففتحت النافذة بسرعة ولكن لم يكن طلبي جاهزاً بل كان ذات الشاب من نافذة الطلبات وناولني هاتفاً، نظرت إليه بتعجب، فوجد عدداً من الصور التي التقطها الشاب لمقالات كتبتها قبل أعوام أعجبته فأحب أن يحتفظ بصور لها، ثم قال، أتابعك منذ فترة ولكنني نسيت اسمك، كنت أقرأ مقالاتك لأن المقهى الذي أعمل به قديماً يجلب الصحف السعودية كل صباح، وكانت تلفتني كتاباتك، لم أصدق ما قاله، خاصةً بالتزامن مع انطباعات رب العمل عن أسلوبي في الكتابة، وقلت له إن ما حدث اليوم يعد بمثابة الدافع لي لكي استمر وأطور من قدراتي أكثر، تتردد على مسامعنا أننا في عالم وعصر السرعة ومن منا يريد أن يقرأ قطعة طويلة أو كتاباً ولديه البدائل المرئية والمسموعة السريعة والملخصات؟ فكانت تأتيني بعض التعليقات بأنني أكتب في زمن اختلف فيه تلقي الصحيفة الورقية، ومفهوم الكلمة أيضاً، وردود غريبة كهل هناك شخص يقرأ الصحف حتى الآن؟ بغض النظر عما إذا كانت الآراء صحيحة ولم يعد هناك متحمسون لهذا الفن، فيكفيني ككاتبة أن ألقى شخصاً واحداً فقط أثبت العكس، شكراً فيصل فلن أنسى.