د. عيد بن مسعود الجهني
كانت الجزيرة العربية تمر بظروف خاصة، فقد كانت مقسمة إلى أجزاء يخضع بعضها للدولة العثمانية والآخر كان يعيش حياة قبلية بدائية، وساد الانقسام بين أهل الجزيرة العربية مما جعلها مرتعاً للفتن والشقاق والنزاعات القبلية والحروب الدامية.
فالنظام القبلي الذي كان سائداً في الجزيرة العربية كان له دور بارز في خلق التجزئة السياسية بها.
وقد كانت الحالة الأمنية متردية قبل فتح الرياض في الخامس من شهر شوال 1319هـ خاصة بالنسبة للحجاج والمعتمرين، وحالة الأمن في المشاعر المقدسة والطرق المؤدية إليها معدومة، بل وصل الأمر مرحلة أن سكان أي حي في مكة المكرمة كان ليس بمقدورهم التنقل من حي إلى آخر بشكل جماعي خوفاً من الاعتداء عليهم، قيل إن الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود ورجاله الأبطال رحمهم الله من استعادة الرياض في اليوم الخامس من شهر شوال 1319هـ - 1902م بقوة بلغ عددها ثلاثة وستين رجلاً، في مقدمتهم الملك عبد العزيز رحمه الله وبعد ذلك استيلاؤه على باقي أراضي المملكة.
يقول خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز:
(لقد كان استرداد الملك عبد العزيز للرياض في الخامس من شهر شوال عام 1319هـ/ 1902م اللبنة الأولى في تأسيس المملكة العربية السعودية في حين تعود جذور هذا التأسيس إلى مئتين واثنين وستين عاماً، عندما تم اللقاء التاريخي بين الإمام محمد بن سعود والشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمهما الله - عام 1157هـ - 1744م، فقامت بذلك الدولة السعودية الأولى على أساس الالتزام بمبادئ العقيدة الإسلامية، ثم جاءت الدولة السعودية الثانية التي سارت على الأسس والمبادئ ذاتها).
وقد استخدم الملك عبد العزيز القوة العسكرية كضرورة حتمية فرضتها ظروف الواقع وبشكل فاعل ومؤثر ومنظم لتحقيق الهدف الذي جاهد من أجله توحيد معظم أجزاء شبه الجزيرة العربية.
وقد نقل الريحاني عن الملك عبد العزيز فيما يتعلق بالنظام العسكري في الهجر قوله:
(يجيئونا في السلم فنعطيهم ما يحتاجون إليه من كسوة ورزق ومال، ولكنهم في أيام الحرب لا يطلبون منا شيئا، يتمنطق الواحد منهم بيت الخرطوش ويبادر إلى البندقية، ثم يركب الذلول إلى الحرب ومعه شيء من المال والتمر، القليل عندنا يقوم مقام الكثير عند غيرنا.. كنا نمشي ثلاثة أيام بدون طعام، يأخذ الواحد منا تمرة من حين إلى حين يرطب بها فمه). وبعد فتح الرياض توالت بعد ذلك الفتوحات والإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية واستقرت الأمور الداخلية وصدر الأمر الملكي رقم 2716 تاريخ 17-5-1351 هـ الموافق 18-9-1932م بالموافقة على استبدال اسم مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها إلى اسم المملكة العربية السعودية اعتبارا من يوم الخميس 21-5-1351 هـ الموافق 22-9-1932م.
وقد نصت المادة الأولى من الأمر الملكي يحول اسم المملكة الحجازية النجدية وملحقاتها إلى اسم المملكة العربية السعودية ويصبح لقبنا بعد الآن (ملك المملكة العربية السعودية).
ونصت المادة الثامنة (أننا نختار يوم الخميس الموافق 21 جمادى الأولى سنة 1351هـ الموافق اليوم الأول من الميزان يوما لإعلان توحيد المملكة العربية السعودية) ونسأل الله التوفيق.
صدور ذلك الأمر الملكي المهم في تلك الفترة من تاريخ الجزيرة العربية جاء طبقا لمبادئ الشريعة الإسلامية والقانون الدولي حيث تحققت أركان الدولة من (شعب وإقليم وحدود وسيادة وسلطة حاكمة).
وذلك التاريخ هو إعلانا لليوم الوطني السعودي يحتفل به سنويا الشعب السعودي ويباركه الشعوب العربية والإسلامية والصديقة باسم خادم الحرمين الشريفين وولي عهده.
وبلاد الحرمين الشريفين تحتل حيزاً كبيراً في شبه الجزيرة العربية فهي تغطي ما لا يقل عن 80 في المئة من مجموع مساحة شبه الجزيرة، وهذا يمثل ثلث مساحة الولايات المتحدة الأمريكية وثلاثة أضعاف مساحة فرنسا، وتشير الإحصاءات الجغرافية إلى أن مساحة المملكة العربية السعودية تبلغ حوالي (2.253.300) كم2.
وبذا تصبح المملكة العربية السعودية أول وحدة عربية حقيقية، فالملك عبد العزيز بعد كفاح وجهاد وبطولات أسطورية على مدى أكثر من ثلاثين عاما استطاع بقيادته الحكيمة وبعد نظره وشجاعته أن يوحد معظم أجزاء شبه الجزيرة العربية، ليكتب التاريخ نشأة دولة ذات كيان كبير تعد امتدادا طبيعيا للدولة السعودية الأولى والدولة السعودية الثانية.
ومع مرور الزمن تسابقت سفينة التطور والنماء والرفاه في جميع الأصعدة لتصبح واحدة من أهم دول المنظومة الدولية في التطور في جميع مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والمجال التعليمي والصحي والاجتماعي ...الخ.
والدولة السعودية الثالثة (المملكة العربية السعودية) اعتمدت على الإسلام كأساس للحكم وهكذا فإن بلاد الحرمين الشريفين ارتبطت منذ تأسيسها بالحركة الدينية الإصلاحية، حيث وعد الإمام محمد بن سعود الشيخ محمد بن عبد الوهاب بالحماية والمؤازرة.
وقد أحس أهل معظم أجزاء شبه الجزيرة العربية بضرورتها للدفاع عن دينهم وأرواحهم ومصالحهم، وتحقق للدولة الناشئة القوة والاستقرار بفضل أهدافها في تطبيق الشريعة الإسلامية وتحقيق الرفاهية لشعبها.
ولذا فإن الدولة السعودية المعاصرة تعتبر امتداداً طبيعياً للدولة السعودية الأولى والدولة السعودية الثانية وقد استمرت على نفس الأسس والنهج الإسلامي الذي قامت عليه الدولة السعودية الأولى والدولة السعودية الثانية.
يقول خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز:
(الإسلام أكبر نعمة أنعمها الله على الأمة، واستحضار هذه الحقيقة في كل عمل مخلص هو قمة الوعي بها، ومن ثم الدفاع عن مقوماتها، ولقد أدرك الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود -رحمه الله- عظمة هذه النعمة الإلهية، وعمل على تمثلها في نفسه، فجعل الإسلام نبراساً له في كل أعماله، وحقق أهدافه السامية المتمثلة في التمسك بالعقيدة وتطبيق الشريعة الإسلامية والدفاع عنها ونشر الأمن، وتأسيس مجتمع موحد يسوده الرخاء والاستقرار).
وثمة حقيقة اجتماعية تتمثل في ارتباط أهالي شبه الجزيرة العربية بمصالح وأهداف مشتركة تستند إلى خصائص ومقومات مشتركة تتمثل في وحدة الدين والأصل واللغة والتاريخ، مما يجعل من أهالي المنطقة وحدة لها كيانها الذي يميزها ويولد لدى أفرادها الإحساس بانتمائهم إلى أمة واحدة تتوافر لها خصائص ومميزات الأمة.
ولهذا عندما قام الملك عبد العزيز والرجال الأبطال المخلصين في بداية ملحمة توحيد معظم أجزاء شبه الجزيرة العربية تحت راية الإسلام نجحوا في تحقيق هذه الوحدة، لأنهم تحت قيادة قائدهم الملك عبد العزيز -رحمه الله- ولأنهم وجدوا الرضا والاستجابة من جانب أهالي سكان الجزيرة العربية على الانصهار في كيان موحد يربطهم الإحساس المشترك بالانتماء والإحساس بشعور المواطنة والمحبة المتبادلة.
إذاً المملكة أقامت نظام الحكم فيها على أساس مبادىء الإسلام إلى جانب تهيئة الرخاء والرفاهية والعمل على خدمة الشعب وإسعاده مستهدفة تحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية، ولذا فإن تجربة الدولة تمثل الحل السليم العملي لعلاقة الشريعة الإسلامية بالقانون الحديث.
وهذا الحل لم يكن ممكناً لو لم توجد في الشريعة الإسلامية وسائل ذاتية تسمح بتطور الأحكام وإيجاد الحلول للمشاكل الجديدة. ولذا نص النظام الأساسي للحكم في مادته الأولى على أن: (المملكة العربية السعودية دولة عربية إسلامية ذات سيادة تامة، دينها الإسلام ودستورها كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم).
والمبادئ العامة السائدة في نظام الحكم بالمملكة تتمثل في أن الشريعة الإسلامية هي مصدر النظام الأساسي للمملكة ومبدأ سمو الشريعة الإسلامية على النظام الأساسي للحكم فإن السلطة التنظيمية تستمد أنظمة الدولة المختلفة من الشريعة الإسلامية.
وما بين 1351هـ واليوم حدثت إنجازات كبرى على أرض بلاد الحرمين الشريفين، فرغم أن أول ميزانية للمملكة عند إعلان توحيد البلاد عام 1351هـ كانت رقماً ضئيلاً لا يتجاوز ( 10.6 ) مليون ريال، فهي بعد اكتشاف النفط وتدفقه في الثاني من محرم 1357هـ الموافق للثالث من مارس 1957م الذي كان خيراً دفاقاً على البلاد والعباد، تغيرت أرقام ميزانية الدولة إلى أحجام أكبر.
لقد شاءت الإرادة الإلهية أن يكون للمملكة دور رئيس في إمدادات النفط في السوق الدولية، فذلك العام 1357 شهد تفجر النفط السعودي ليكتب سطراً جديداً في مسيرة الاقتصاد السعودي، سجلته بئر الدمام السابع، عندما أدار المؤسس الملك عبد العزيز -رحمه الله- الصمام إيذاناً بتحميل أول شحنة تجارية من البترول السعودي على الناقلة (جي سكوفيد) من رأس تنورة إلى سوق النفط الدولية، ليصبح ذلك واحداً من أهم الأحداث في القرن المنصرم في الجزيرة العربية والعالم.
لقد أثبتت المملكة عملاً لا قولاً فقط، وإنجازاً لا تخطيطاً فحسب أن إدارتها للسياسة البترولية كانت على أرقى وأرفع مستوى فاستطاعت أن تثبت قدرتها على التفاعل إيجابياً مع مختلف المتغيرات الداخلية والدولية وتطويعها لأهدافها ومصالحها وأثبتت مرونة في التفاعل مع الأحداث مقارنة بالأنظمة السياسية الأخرى.
ولا شك أن اكتشاف البترول الذي جاء كنتيجة حتمية للوحدة السياسية ليزيل الحواجز الجغرافية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية قد شكل ركيزة قوية وعاملاً مؤثراً في تشكيل قوة الدولة الاقتصادية والسياسية، وقد انعكست إيرادات البترول على سياسة التنمية السعودية وتقديم المساعدات للدول العربية والإسلامية.
وقد تبنت الدولة خططاً تنموية عديدة للتنمية المستدامة، لما كانت التنمية تبدأ بالإنسان وتنتهي بالإنسان - فإن انتهاج الأساليب الحديثة في الإدارة والتدريب أصبح أمراً لازماً لزوماً لا غناء عنه في جميع المجتمعات المتقدمة، باعتبار أن أهم عنصر في التنمية الاقتصادية والاجتماعية هو الإنسان الذي يعتبر الركيزة الأولى للإدارة، بواسطته يمكن تحقيق الأهداف وتجاوز أية مشاكل أو عقبات وبناء صرح الحياة والنهوض بالمجتمع إلى أعلى مستوى حضاري.
وفي مسيرة التنمية في البلاد ما بين السبعينيات من القرن المنصرم زمن ارتفاع أسعار النفط لأول مرة منذ تأسيس الأوبك أواخر 1960 شهدت المملكة خططاً تنموية عديدة شكلت إنجازات كبرى أنفقت الدولة مبالغ فلكية على التنمية المستدامة في طول البلاد وعرضها.
لذا فإن الاقتصاد السعودي على المستوى الدولي يصنف ضمن أكبر الاقتصادات من حيث حجمه وإمكاناته اقتصاداً لدولة أحد أعضاء مجموعة العشرين الكبار الذين يشكلون (85) في المئة من حجم الاقتصاد الدولي.
تلك الخطط غطت جميع مناحي الحياة الاقتصادية والتنموية والبشرية والاجتماعية والتعليم في جميع فروعه والصحة والشئون الاجتماعية والمرافق العامة والنقل والمواصلات والصناعة والزراعة والتطوير الإداري ودفع عجلة القطاع الخاص وتنمية الاستثمارات العامة ودعم مرافق السياحة والثقافة ومسيرة البناء والتشييد والإسكان.. الخ.
وقد جاءت رؤية 2020 - 2030 التاريخية لتصبح ختام مسك لتلك الخطط التنموية، ولتمثل إستراتيجية طموحة تستشرف الحاضر والمستقبل. وفي ظل متغيرات إقليمية ودولية سياسية واقتصادية وإستراتيجية وعسكرية ...الخ، لها أهمية بالغة مما يستدعي التفاعل معها ودراسة أبعادها وتأثيراتها وانعكاساتها على المستوى المحلي، بل وتهديدها للأمن القومي العربي، وأخذاً بالاعتبار سياسة تتلاءم مع طبيعة تلك التحولات التي تحدث على مستوى مستقبل النظام الدولي، وما تواجهه المنطقة العربية من أزمات متلاحقة تهدد مستقبل بعض الدول العربية.
وبعد عدة خطط تنموية شهدتها البلاد كان لها نجاحات عديدة، والدول ومنها المملكة تسعى إلى الأفضل لتحقيق الأمن التنموي في جميع المجالات الاقتصادية، الاجتماعية، السياسية، الثقافية، السياحية، العسكرية ...الخ.
فقد كان الميلاد التاريخي لرؤية 2020 - 2030 التي يمكن بتعريف جامع مانع القول إنها إستراتيجية متكاملة بعيدة المدى تستشرف الحاضر والمستقبل لبلادنا التي تشهد اليوم الوطني، وهي (الرؤية) أصبحت ضرورة وليس ترفاً في ظل ما نوهنا عنه من تحولات دولية وإقليمية خطيرة لابد من مواجهتها بالعلم والفكر النير الذي يحقق الأهداف التي سطرتها تلك (الرؤية).
الأهداف الـ(96) التي جاءت في (الرؤية) تمثل خططاً تنموية متعددة طوتها خطة إستراتيجية واحدة بين سطورها التي طبقت بدقة علمية وفكرية متناهية لتصبح خريطة طريق واضحة للوطن والمواطن.
لقد اشتملت على مبادرات لا يمكن حصرها في مقال أو مقالات أو حتى مجلدات، ففي باطنها مشاريع كبرى ومبادرات ونظرة عميقة تستشرف المستقبل والمستقبل بيد الله جلّت قدرته، تفصل في أحد أهدافها العمل على توظيف طاقات المملكة في مشروعات وطنية تغذيها ثروات البلاد من نفط وغاز وتعدين وسياحة وغيرها تدعم اقتصاد البلاد لتحقيق مستقبل أفضل للوطن والمواطنين.
ولا شك أن إعادة الهيكلة في القطاع العام والشركات التي تمتلك الدولة حصصاً فيها كان لها القدح المعلى في عملية إعادة الهيكلة الإدارية والمالية.
ومن ضمن سياسية إعادة الهيكلة فصل شركة أرامكو السعودية عن وزارة البترول والثروة المعدنية التي أصبح مسماها وزارة الطاقة وهذا لن يؤثر على أدائها ستبقى الشركة الرائدة في عالم صناعة النفط، وإعادة هيكلتها من وجهة علمية طبقاً لمفهوم الإدارة الحديثة تم ضمن عملية مدروسة لتحقيق زيادة رفع كفاءة الأداء وإزالة القيود التي تعيق المرونة وتحد من زيادة الإنتاجية.
إعادة الهيكلة تتبناها الدول عندما تجد أنه من الضرورة رفع عملية الإدارة وتقليل الإنفاق وسهولة انسياب العمل الإداري لتستفيد منه الدولة ومواطنوها والوافدون فيها، والرؤية أخذت ذلك بعين الاعتبار في أهدافها، لذا تم إعادة هيكلة 24 من جهات الإدارة.
لهذا أحدثت وزارة للثقافة لأهميتها في هذا العصر الذي يقوم على العلوم والثقافة التي تعتبر غذاء طبيعياً للشعوب وألغيت وزارة الخدمة وألحقت بوزارة الموارد البشرية والشئون الاجتماعية، وغير اسم هيئة الفساد إلى هيئة التحقيق والنزاهة، وبذلك ألغيت هيئة التحقيق والادعاء، كما أنشأت الدولة نيابة عامة، وأمن دولة، ولأهمية هيئة الزكاة والدخل فقد أصبح المسمى هيئة الزكاة والضريبة والجمارك، وأحدثت وزارة للثروة المعدنية بدلاً من اسم وزارة البترول والثروة المعدنية، كما غادرتها أرامكو السعودية، ولأهمية الرياضة خصصت وزارة خاصة بها. ولأهمية الاستثمارات في جميع مجالاتها، الأسهم، السندات، العقارات، الودائع، الدخول في شراكات استثمارية وغيرها من تنويع الاستثمارات تأسس صندوق الاستثمارات العامة الذي يعد بالفعل مؤسسة استثمارية كبرى.
ولأهمية الخصخصة فإن الرؤية جعلتها من أولويات أهدافها باعتبارها خيارًا إستراتيجيًا، أصبح سمة عالمية في اقتصادات الدول، حيث تؤكد الرؤية على خصخصة مرافق عامة وقطاعات حيوية عديدة، بعد دراسات متعمقة لكل المرافق المستهدفة وردم فجوة وجود مصالح متضاربة بين بعض الجهات.
إذاً الرؤية متطورة في أهدافها ومنها محاربة (جادة) للفساد.
وهي (الرؤية) التي فعلت هيئة الرقابة ومكافحة الفساد وضخت في عروقها الدعم اللامحدود من القيادة العليا.
حيث أكد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز على مكافحته مسترشدًا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها) رواه البخاري.
وقد أوكل خادم الحرمين الشريفين المراقبة والمتابعة إلى نجله سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ولذلك رأى الناس النتائج أمامهم واضحة عندما طبق بالفعل قانون (من أين لك هذا).
ولذا بعد أن يأس الناس من محاربة الفساد وعدم إنجاز أمورهم إلا بعد أن يضع بعض المواطنين يده في جيبه اليمين وجيبه الشمال، ليدفع أصبح اليوم يعيش فترة تحقيق الأمل نتيجة للإصلاحات التي قصد منها مكافحة غول الفساد ونجحت خطط الدولة بالفعل من خلال تطبيق أهداف (الرؤية).
وإذا كانت الرؤية تعد حدثاً اقتصادياً مهماً في تاريخ الاقتصاد السعودي فإنها من خلال أهدافها حرصت على شموليتها، فالتعدين والبترول والصناعة التحويلية بل والعسكرية، والرعاية الصحية والسياحة والتمويل والتشييد والبناء وفتح الأبواب لمشاريع كبرى كانت في مقدمة الأهداف. ولذا شيدت نيوم وطورت العلا، ومدينة القدية الثقافية والترفيهية، وشرعت أبواب حديقة الملك سلمان، ومشروع بوابة الدرعية التاريخية ومشروع البحر الأحمر وغيرها من حزم المشاريع القادمة لتشمل كافة مناطق المملكة.
وهذه سياسة إدارية تنموية حقيقية تعتمد على إعادة وهيكلة تخطيط بعض المدن الكبرى.
وتذهب الأهداف في مضمونها إلى تقديم أفضل الخدمات للمواطنين تتمثل في الخدمات الحكومية الإلكترونية ومنها (ابشر) الذي يستضيف أكثر من 27 مليون مستخدم ووزارة الصحة تقدم خدماتها من خلال خدمات إلكترونية على موقع (صحتي)، وتفعل وزارة العدل نفس الشيء من خلال موقع (ناجز) وموقع (بوابة النفاذ الوطني الموحد) الذي يخدم كافة الوزارات والمصالح الحكومية وتطبيق (توكلنا) الذي يقدم عدداً كبيراً من المعلومات للمواطنين والمقيمين وكذلك فإن البنك المركزي يطبق نظاماً إلكترونياً لدفع الفواتير للشركات ووزارة المالية التي يتبعها البنك المركزي هي الأخرى لها نظامها الإلكتروني الخاص.
ولدور المرأة المحوري في الإسلام الذي منحها حقوقاً عديدة فان الرؤية جعلت من الاهتمام بها محوراً أساسياً وشرعت الأبواب أمامها في دولة دستورها القرآن والسنة، ولذا حددت الرؤية عام 2030 لتصبح نسبة المنخرطات في العمل في القطاعين العام والخاص 35 في المئة ارتفاعاً من 19 في المئة عام 2016م.
ليس هذا فحسب فقد ساوت بين العاملين والعاملات في المرتب إذا كانت المؤهلات والخبرة واحدة ونفس الشيء في سن التقاعد وأن يعملن في بيئة آمنة لعمل المرأة ناهيك عن مشاركة المرأة السعودية في المناسبات الرياضية.
أما المجال الترفيهي فقد حظي هو الآخر باهتمام الرؤية لكونه جزء من الحياة العامة ورافد للاقتصاد الذي يعتمد على التنويع في مصادره، ويكفي للتدليل على ذلك رصد 64 مليار دولار مخصصة لبناء بنية تحتية ترفيهية خلال السنوات القادمة ممكن أن تخلق مئتي ألف وظيفة للسعوديين من الجنسين.
ولا تتأخر الرياضة عن الركب وهي سمة عالمية أصبحت اليوم عنواناً رئيساً حتى في سياسة الدول الداخلية والخارجية لذلك فإن (الرؤية) رفعت مكانتها بتخصيص وزارة خاصة بها.
وبذلت تلك الوزارة جهوداً متميزة في دعم الرياضة والرياضيين واستضافت مناسبات كبرى في كرة القدم والتنس وكرة اليد والملاكمة والغولف..الخ، ومشاركة السعوديين في المسابقات الرياضية الدولية، بل ومعهم النساء في فريق الأولمبياد الخاص في المملكة.
ولأن الثقافة في حياة المجتمعات لها أهميتها القصوى فقد أكدت الرؤية على دعم الثقافة وتعزيز حضور الثقافة السعودية على المستوى العربي والإسلامي والدولي، من خلال المعارض الدولية الخاصة بالكتب والندوات الثقافية والمؤتمرات الدولية ..الخ. وبذا فإن هذا المحور الهام من محاور الرؤية حظي باستقلالية تدير شئونه وهذا أحد أهم إعادة الهيكلة الإدارية والمالية الذي أولته الرؤية أهمية خاصة. ويبقى القول إن الرؤية التاريخية بكل وجوهها تقدم المملكة إلى العالمين العربي والإسلامي والدولي بثوب جديد معاصر لكل التطورات والمتغيرات التي تحدث على الساحة الدولية.
وهي (الرؤية) تبرز بوضوح قدرة الاقتصاد السعودي بوجهه الجديد على المنافسة الدولية كأحد الاقتصادات الدولية الكبرى.
والله ولي التوفيق،،،
وهي (الرؤية) ترسم منهجًا يستند على صياغة وإستراتيجيات جديدة لمستقبل اقتصاد البلاد والعباد.
وهي (الرؤية) التي جمعت الخطط كلها في (رؤية) واحدة معتمدة على العنصر البشري السعودي الخلاق لبناء الوطن الكبير.
** **
- رئيس مركز الخليج العربي لدراسات واستشارات الطاقة
dreidaljhani@hotmail.com