د.عبدالرحيم محمود جاموس
يصادف الثالث والعشرون من شهر سبتمبر للعام ألفين وواحد وعشرين، الذكرى الحادية والتسعين لليوم الوطني للمملكة العربية السعودية، هذه الذكرى التي يحتفي بها شعبنا العربي السعودي، ويشاركه في ذلك أشقاؤه من أبناء الأمة العربية والإسلامية لما مثلته وتمثله المملكة العربية السعودية تجاه الأمة جمعاء، فهي مناسبة وطنية وقومية على السواء، ومن هذا المنطلق فإن الشعب الفلسطيني سواء منهم المقيمون على أرض المملكة أو في فلسطين أو في مخيمات الشتات يشاركون أشقاءهم أبناء المملكة الاحتفاء بهذه المناسبة ويحيون معهم بمشاعرهم النبيلة هذه الذكرى الطيبة، لما لهذه المناسبة من أهمية عظيمة.
وإننا إذ نتقدم في هذا اليوم للمملكة الحبيبة بأحر آيات التهاني والتبريكات وعلى رأسها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز حفظه الله ورعاه، وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان وحكومة المملكة وشعبها العظيم، بهذه المناسبة العظيمة التي تخلد ذكرى وحدة المملكة بقيادة الملك المؤسس الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود رحمه الله، التي رسخت أول وحدة عربية في العصر الحديث، وأرست قواعد بنيان ثابت وراسخ ومتين للدولة السعودية على أساس من العقيدة السمحاء والقيم العربية الشماء، تنهض بشعبها الكريم من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب حاضنة للحرمين الشريفين أقدس بقاع الأرض لدى الأمة الإسلامية جمعاء، توفر لها ولحجاجها ولزوارهما حسن الرعاية والوفادة، وأنجزت التوسعة والإعمار لهما، بما يليق بهما، وبالأمة الإسلامية، وهي تمثل حصناً ودرعاً واقياً للأمة العربية والإسلامية، من خلال دورها الطلائعي والقيادي بما لها من وزن سياسي واقتصادي ومعنوي على المستوى العربي والإسلامي والدولي، فقد تبنت قضايا الأمة وتحررها من الاستعمار حديثها وقديمها ودعمت استقلال كافة الدول العربية التي كانت ترزح تحت نير الاستعمار، ودعمت اقتصادياتها بما وفرته من دعم لها، المملكة منذ أن أنعم الله عليها قد خصصت ما يزيد على 2 % من دخلها القومي لدعم الأشقاء والأصدقاء والدول الأكثر فقراً، وهذه أعلى نسبة دعم على المستوى الدولي تخصصها الدول، ودعم الأمم المتحدة ووكالاتها المختلفة، دعماً للأمن والاستقرار والسلام الدولي، ذلك ما أكسبها احترام وتقدير كافة الدول والشعوب المنصفة في العالم.
أما على مستوى القضية الفلسطينية فقد كان لفلسطين وشعبها وضعهما الخاص والمميز لدى المملكة قيادة وحكومة وشعباً، منذ بدايات القضية الفلسطينية كانت مواقف المملكة العربية السعودية المشرفة تتسم بالوضوح والصلابة تجاه ثوابت القضية الفلسطينية، فإذا عدنا للتاريخ نجد أن المرحوم الملك عبدالعزيز قد وجه بتقديم كافة أشكال الدعم المادي والمعنوي للشعب الفلسطيني من أجل الدفاع عن وطنه، وفي سنة ألف وتسعمائة وثمانية وأربعين سنة النكبة الكبرى شارك الجيش العربي السعودي في الدفاع عن عروبة فلسطين وقدم الشهداء في أرض فلسطين التي لا زالت شواهد قبورهم تنتصب في أرض فلسطين، كما أتاحت المملكة حينها لأبنائها التطوع في صفوف المقاومين الفلسطينيين والعرب للدفاع عن فلسطين وقد شكل المتطوعون السعوديون مجموعة كبيرة في صفوف جيش الإنقاذ بقيادة المجاهد الكبير/ فهد المارك/ شارك في معارك الدفاع عن القدس والجليل والمثلث وقدموا عشرات الشهداء ومئات الجرحى في مواجهة العصابات الصهيونية.
وقد وجه في حينه جلالة المغفور له الملك عبد العزيز بتنظيم حملات التبرعات الشعبية لدعم المجاهدين ودعم الشعب الفلسطيني، وبقيت سياسة المملكة تسير على هذا النهج واضحة كل الوضوح إزاء القضية الفلسطينية ودعم الشعب الفلسطيني في كفاحه من أجل العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف، ولم تتوان يوماً عن القيام بهذا الواجب على جميع المستويات العربية والدولية شعبياً ورسمياً.
نحن في هذه المقالة لا نستطيع أن نحصي كل ما قدمته وما فعلته المملكة من أجل فلسطين، ولكن مآثر المملكة في هذا الشأن واضحة وجلية للعيان ولا يستطيع أن يغمطها إلا جاحد أو ناكر للجميل، فالمملكة وقيادتها وشعبها تمثل دائماً الحضن الدافىء والداعم للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة ولقيادته الشرعية.
مواقف المملكة الداعمة للشعب الفلسطيني مادياً وسياسياً كان لها الأثر البالغ في استمرار صمود الشعب الفلسطيني وفي تراكم إنجازات النضال الوطني الفلسطيني على طريق تمكين الشعب الفلسطيني من العودة إلى وطنه وممارسته لحق تقرير المصير وبناء الدولة المستقلة وعاصمتها القدس الشريف. منظمة التعاون الإسلامي التي تعد أهم منظمة دولية تجمع في عضويتها جميع الدول الإسلامية جاء تأسيسها تلبية لدعوة من المغفور له الملك فيصل إثر محاولة حرق المسجد الأقصى على يد المتطرفين اليهود، لأجل الدفاع عن عروبة القدس وفلسطين ومواجهة سياسات الاحتلال الصهيوني، كما مثلت المملكة في سياساتها الواقعية والمتوازنة أقوى مدافع عن الحقوق الوطنية الفلسطينية عربياً ودولياً، وتجلى ذلك من خلال المبادرات السياسية التي صاغتها المملكة، منها مبادرة المغفور له الملك فهد عام 1982م وفي عام 2002م مبادرة الملك عبد الله رحمه الله والتي أصبحت مبادرة عربية وإسلامية وأصبحت جزءاً لا يتجزأ من الإطار السياسي والقانوني الذي يحكم أية تسوية بشأن الصراع العربي الإسرائيلي وفي مقدمته القضية الفلسطينية. هذا الدعم السياسي والمادي من المملكة العربية السعودية للشعب الفلسطيني وقضيته، محل شكر وتقدير الشعب الفلسطيني وقيادته على السواء، ويأتي تأكيداً للروابط الكثيرة التي تربط بين الشعبين الفلسطيني والسعودي وأهمها الرابط الديني الذي جاء في محكم التنزيل بقوله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (صدق الله العظيم).
المملكة وفلسطين يحتضنان أقدس مقدسات المسلمين، المساجد الثلاثة التي لا تُشدُّ الرحال إلا لها، والمملكة ستبقى ملتزمة بهذه السياسات الثابتة المعبرة عن هذه الروابط الأزلية الدائمة، وتترجمها بالأفعال لا بالأقوال كما يعبر عنها اليوم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز صاحب المقولة الراسخة (نحن رفاق مصير لا رفاق طريق) والذي أولى القضية الفلسطينية منذ بداياتها جلَّ اهتمامه وأشرف على اللجنة الشعبية لمساعدة الشعب الفلسطيني على مدى زاد عن خمسة عقود لتوفير الدعم الشعبي المادي والمعنوي للشعب الفلسطيني، ولن ينسى شعبنا ومعه أحرار العالم الشعار الذي أرساه حفظه الله (ادفع ريالا تنقذ عربيا) وتردد صداه بين كافة أبناء الشعب العربي السعودي، كما ترددت أصداؤه على المستوى العربي والدولي لما يحمله من مضامين إنسانية راقية.
إنني في هذه المناسبة العظيمة أود أن أعبر باسم شعبنا الفلسطيني وباسم قيادته عن بالغ الشكر والتقدير للمملكة على ما أسدته لشعبنا من عون ودعم دائمين ومستمرين، وأتقدم بكل فخر واعتزاز بأجمل التهاني للمملكة العربية السعودية ملكاً وقيادة وشعباً وحكومة وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وسمو ولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، حفظهم الله جميعاً، وحفظ الله المملكة وشعبها وأدام عليها تقدمها وازدهارها وأمنها وأمانها ليبقى هذا الكيان العربي الشامخ مفخرة للعرب والمسلمين وقدوة في الوحدة والتنمية والبناء والاستقرار والازدهار، ونموذجًا لتلاحم القيادة والشعب على الدوام، لجميع الأشقاء والأصدقاء، وبهذه المناسبة نؤكد تأييدنا ووقوفنا وشعبنا وقيادته، إلى جانب المملكة قيادة وشعباً في مواجهة جميع التحديات التي تواجهها المملكة، حتى يرد الله كيد المعتدين إلى نحورهم، وتبقى المملكة الحصن الحصين والمانع المنيع على كل من تسول له نفسه للنيل منها ومن أمنها ووحدتها.