في جو متعطش للأمن، ونفوس تصبو للأمان، وفوق مساحة من الأرض مترامية الأطراف يتلهف سكانها إلى الاستقرار، جاءت تجربة الملك عبدالعزيز ـ طيب الله ثراه ـ؛ تلك التجربة التي حوّلت الجزيرة العربية من قبائل متناحرة، وعشائر متنافرة، وطرق وعرة غير آمنة، حوّلها الملك عبدالعزيز إلى دولة عصرية، هي اليوم فخر وسند للعالم العربي والإسلامي، في ظل خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود.
فقد استطاع الملك عبدالعزيز ـ طيب الله ثراه ـ بصموده وكفاحه وصبره أن يحوّل الحلم بالوحدة العربية إلى حقيقة وواقع ملموس، وأفعال يتردّد صداها في وجدان الأمة العربية والإسلامية.
حقّق ـ رحمه الله ـ أول تجربة وحدوية في العصر الحديث، في الوقت الذي كانت فيه المنطقة تعيش في جو من الانقسامات والتفكك والضعف، الذي شمل معظم الأقطار العربية نتيجة للاستعمار الأجنبي.
ولم تكن تجربته في الكفاح بالأمر الهيّن أو اليسير، فقد استطاع مع قلة من الرجال الأوفياء الذين ساروا معه مؤمنين بالله ثم بعدالة ما هم مقدمون عليه.
استطاعوا أن يدخلوا الجزيرة العربية وأن يوحدوا أطرافها المترامية، مرة باللين وأخرى بالإقناع، وتارة باللجوء إلى السيف، إلى أن استطاع بشخصيته الفذة أن يضع البلاد على بوابة عصر جديد، وهي دولة قوية الأركان، كاملة المؤسسات.
وإذا كان للعالم أن يسجل اسم الملك عبدالعزيز كواحد من عظماء العصر الحديث، فإن لنا أن نفخر به كأسطورة، وأن نسجل اسمه في قلوبنا، وقلوب أبنائنا والأجيال القادمة، تلك الأجيال التي تعيش حتى الآن على ثمار جهاده وكفاحه، وتشهد في نفس الوقت أبناءه يكملون المسيرة بعده بأمانة، ويكملون البناء، بناء الإنسان أولاً، الذي كان ولا يزال أهم أهداف التنمية في البلاد منذ عهد المؤسس العظيم وحتى اليوم، وعبر انتقال الدولة السعودية من راعٍ إلى راع من أبناء الملك عبدالعزيز الذين كانوا ولايزالون خير خلف لخير سلف.
فمن بناءٍ للإنسان إلى بناء دولة المؤسسات ضمن إطار الثوابت التي وضعها المؤسس الراحل، دون أن تبعد عما يحيط بالعالم من متغيرات، ولا أن تنفصل عن هويتها الإسلامية والعربية.
رحم الله الملك المؤسس عبدالعزيز، الرجل الأسطورة الذي استطاع بإيمانه ثم بعدالة قضيته التي بذل الغالي والنفيس في سبيل الوصول إليها وبما حباه الله من نعمة العقل، وما أعطاه من قوة إيمان مكَّنه أن يحول شتات الجزيرة العربية إلى وحدة، ومن تناحر قبائلها إلى تآلف، وخوفها إلى أمن وأمان.
** **
- سلمان بن حمود الهدلاء