إن المتأمل لأوجه الشبه والتقارب الكبير بين الملك عبدالعزيز -رحمه الله- وبين حفيده الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ليدرك مدى ما يتمتع به الحفيد من مكتسبات ذات بعد غائر في تقاسيم الوجه والجينات الوراثية حيث إن ذلك الأمر يحدث بين الجد والحفيد للدم الواحد الذي يجمعهما والذي لفت انتباه الكثير وصرح به، إلا أن الصفات القيادية والمهارية عندما تنتقل بالوراثة يحتاج المرء معها إلى الكثير من المحاكاة التي يشتغل عليها ويعمل للاحتذاء بها إعجاباً وتمثلاً وممارسة على أرض الواقع وهذا ما بدأه الأمير محمد بن سلمان قبل خوضه غمار العمل السياسي وتحمله للمسؤولية المبكرة التي كان لوالده المحنك الملك سلمان الدور الأول والرئيس والمؤثر لإعداده المبكر وهو على مقاعد الدراسة إذ إن المدرسة السلمانية النموذج المؤسس لمنهج متخصص في فن الإدارة والإمارة والحكم وهو الذي تشرب اختصاصاتها وفنونها وممارسة جميع أعمالها وهو المعاصر لجميع ملوك المملكة العربية السعودية والأكثر قرباً والتصاقاً بهم ابتداء بوالده الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- وانتهاء بعهود إخوانه الملوك: سعود وفيصل وخالد وفهد وعبدالله -رحمهم الله تعالى- حتى تبوأ سُدة الحكم ليستجمع كريزما الشخصية المهارية الفذة كقائد مهاب تمرس العمل لأكثر من خمسة عقود من عمر الزمن وانسالت له طواعية المحبة الجارفة من الشعب السعودي على مختلف أطيافه؛ لأنه أسس البذرة التي جناها منذ أول يوم باشر فيه العمل في قصر الحكم نائباً لأمير منطقة الرياض ثم أميراً لها عام (1373هـ) وعندما وجد في نجله محمد مخايل نبوغ مبكر ولافت وهو على مقاعد الدراسة أخذ في إعداده وصقل مواهبه وتدريبه وتوجيهه وطور من قدراته ومن ذاته ليعده لهذه المرحلة المهمة والحساسة ومنذ وقت مبكر وأخذ يراقبه عن بعد كأي أب يتطلع ويطمح بأن يرى أبناءه على قدر من المسؤولية والتفوق والنجاح، وهذا ما تحقق ولله الحمد والمنة والمشهد السعودي المحلي والخليجي والعربي والإسلامي والعالمي أكبر شاهد على النجاحات المبكرة التي تحققت بطموح الشاب الأمير محمد بن سلمان الذي تسلم المسؤولية المبكرة وعمره لم يتجاوز الثلاثينات الهجرية ولعل حظه أنه تخرج من مدرستين تُعد كل واحدة منهما أنموذجاً في فنون إدارة الحكم المؤسس بكريزما الشخصية القيادية التي قلّ أن يجود التاريخ بعظمة الأعمال والتضحيات التي قدماها للمملكة العربية السعودية لذا ناالأمير محمد من جده المؤسس الملك عبدالعزيز أسرار القيادة المهارية الفذة من حيث محاكاتها بالشجاعة والقوة والجرأة والعزم والأقدام ومهابة الطلعة والحضور، إذ كان الملك عبدالعزيز عندما أقدم لاسترداد ملك آبائه وأجداده في بداية ريعان شبابه فلم يخف الحفيد مدى إعجابه الشديد واستلهامه وقراءة سيرة جده الملك المؤسس وتطبيق الجوانب الملهمة، والأمير محمد بن سلمان استوحت مقاربته بجده الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- ووالده الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- وبالجذور الأسرية التي تجمع بينهما بالجينات الواحدة أضفى كل ذلك إلى اكتساب الكثير من الصفات القيادية والمهارية ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
أولاً: الذكاء الفطري والاستعداد المبكر لخوض غمار العمل.
ثانياً: استجماع كريزما الشخصية الإبداعية القيادية وتعلم فنونها وتجلياتها وصفاتها.
ثالثاً: الثقة بالنفس والمثابرة والمداومة على التعلم والمحاكاة.
رابعاً: الطموح والإيمان بالوصول للهدف مهما واجه من الصعوبات والعراقيل والتحديات.
خامساً: الإيمان بالرؤية والتجديد والتغيير المستمر ومواكبة العصر ورتمه مع الحفاظ على المبادئ والثوابت.
سادساً: المحافظة على الوقت كقيمة مكتسبة وصرفها للعمل ولساعات طويلة لكل ما فيه مصلحة الوطن وتلك الصفة اكتسبها عن جده الملك عبدالعزيز - رحمه الله - ووالده الملك سلمان - حفظه الله -.
سابعاً: الانضباط القيادي المهاري الحازم والجازم الذي بأن أثره إيجاباً على جميع قطاعات ودوائر الدولة.
ثامناً: اتخاذ المنصب القيادي تكليف لا تشريف لذا هو من أضاف للمنصب وهجاً ومهارة وحضوراً واسماً ورسماً ومهابة.
تاسعاً: ريادة الفكر المنتظم بترتيب الأفكار والرؤى الطموحة وغير المسبوقة.
عاشراً: البعد في بناء الذات.
الحادي عشر: التفويض والعمل بروح الفريق الواحد واستقطاب الطاقات السعودية الشابة من ذوي الكفاءة والتأهيل والجدارة وتحفيزهم وتشجيعهم والاجتماع الدوري معهم.
الثاني عشر: الإيمان بالرؤية وأهدافها الطموحة ودعمها وإنفاذها.
الثالث عشر: إدارة الأولويات للعمل وترتيبها وإعطاء مساحة كافية لدراستها وتعزيزها لتكون مواكبة لتطلعات المواطن والوطن.
الرابع عشر: إدارة ملف الفساد للقضاء علي الفساد الإداري والمالي وإعطاء هذا الجانب أهمية كبيرة بكل حزم وعزم وقوة كعمل غير مسبوق وبرعاية كريمة من لدن الملك سلمان - حفظه الله - وإنفاذه على أرض الواقع المشاهد مهما كان كائناً من كان.
الخامس عشر: البُعد عن الوهج الإعلامي والوعود والتصريحات والظهور إذ عرف عنه أنه قليل الكلام كثير الفعل والعمل والإنجاز الماثل هو من يتكلم عنه.
السادس عشر: الشفافية المطلقة فالمصداقية والوضوح سمة بارزة في شخصيته البارزة وهذا ما يبرهن عليه في الأفعال قبل الأقوال وتلك قدرة وقيمة يتمتع بها القادة الأفذاذ.
السابع عشر: هو من يملك ناصية الكلام المتوازن بأفكار مرتبة وفكر مستنير، إذا تكلم أوجز وإذا أوجز أفاد وأجاد وهو إلى هذا قليل الكلام كثير الفعل، وهو يرتجل الحديث بانسيابية مبهرة ولديه إلمام وسرعة بديهة حاضرة وجواب مسكت إذ تتنافس على استضافته القنوات الفضائية وشبكات التلفزة المحلية والعربية والعالمية والإعلام وتتسابق لذلك.
تستمد الدولة السعودية قوتها وعظمتها وهيبتها وظهورها من قوة حضور قادتها الذين يجود بهم الزمان لنهوض هذه الدولة السعودية وتلك خبئية الله لهذه الدولة ولشعبها ولخدمة الحرمين الشريفين ونصرة الإسلام والمسلمين والمتأمل لتاريخ الدولة منذ تأسيسها الأول على يد الإمام محمد بن سعود عام (1744م) وعلى مدى مراحلها الثلاث يجد بأن الله تعالى يقيض لها عبر أطوارها رجالاً أقوياء أشداء على الحق وإمضاءه في صيرورة وديمومة الحكم السعودي في أسرة آل سعود تلك الأرومة الكريمة فمن يقرأ التاريخ يجد بأنه لم يمر عبر تاريخها الطويل وعلى مدى أكثر من ثلاثة قرون من الزمن (الحاكم العسكري) بل (الحاكم الشرعي) الذي انعقدت له البيعة الشرعية وتلك حقيقة لا مراء فيها والكل يجمع عليها.
فالإمام محمد بن سعود حكم الدولة السعودية الأولى وكان عهده عهد التأسيس وبعده بعقود يأتي حفيده الإمام سعود بن عبدالعزيز بن محمد (سعود الكبير) حيث أعاد للدولة قوتها وعظمتها وعمل على اتساع رقعتها ونفوذها مما حدا بالدولة العثمانية لمحاربته على يد واليها بمصر محمد علي باشا وإسقاط عاصمته الدرعية عام 1818م، إلا أن الله أراد لهذه الدولة السعودية أن تقوم وتنهض من جديد على يد الإمام تركي بن عبدالله وابنه الإمام فيصل بن تركي فيما عرف بالدولة السعودية الثانية.
ولم يكن الإمام فيصل حاكماً تابعًا وتحت هيمنة النفوذ البريطاني الذي كان يحكم العالم وقتذاك إذ كان حكمه مستقلاً وذاتياً وكانت بريطانيا تحاول التفاوض معه من أجل مصالحها في المنطقة، ثم ارتاب الضعف الدولة حتى قيض الله لها حفيد الإمام فيصل بن تركي الملك عبدالعزيز ليعيد سيرة أسلافه وأجداده الأوائل ليقوم بتوحيد أجزاء المملكة العربية السعودية ويجمع كيانها ويلم شتاتها تحت لوائه ويقيم مشروعه الوحدي الكبير الذي ما زلنا ننعم بظلاله حتى يومنا الحاضر، وفي ذكرى اليوم الوطني الـ (91).
في عهد الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- وحفيد المؤسس ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الذي كان له دوراً مؤطراً لتأسيس مرحلة جديدة وبرؤية حديثه لها من القوة والتغيير والتجديد والمضاء والحضور المهاب بتوجيه ودعم ورعاية كريمة من لدن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان -حفظه الله- مما رفع من مكانة وثقل المملكة في كل المحافل الدولية فما أشبه الليلة بالبارحة في مسيرة الصيرورة لهذه الدولة في تكرار مشهد المؤسس والحفيد في عقد تاريخنا الوطني المجيد في الدولة السعودية الأولى والثانية والثالثة وهو امتداد طبيعي لحفظ الله لهذه الدولة والأسرة الحاكمة على امتداد تاريخها الذي دام أكثر من ثلاثة قرون ونيف وهذا من توفيق الله تعالى الذي أراد لهذه البلاد المقدسة من يسهرون على نصرة دينه وإعلاء كلمته وخدمة مقدساته فلله الحمد من قبل ومن بعد، ولعل السر في ظهور الدولة السعودية نابع من قوة وأهمية الأساس الذي ترتكز عليه وتستمد منه قوتها ألا وهو تمسكها بالعقيدة الإسلامية السامية التي تقوم عليها الدولة والتي تجاوزت الإقليمية والعصبية والقبلية إلى ما هو أسمى وأبقى وأرقى.
** **
- فهد عبدالعزيز الكليب