قبل (91) عاماً وبالتحديد في سبتمبر 23 لعام 1932م، أعلن موحد البلاد وقائدها الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- عن توحيد البلاد من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب، بمسمى المملكة العربية السعودية، تحت راية التوحيد (لا إله إلا الله محمد رسول الله)، وأصبحت ترفرف على كل جزء من تراب هذا الوطن الغالي، وحل الوئام بين أفراد وقبائل المجتمع محل الشقاق، والأمن بدلاً من الخوف، والطمأنينة عوضاً عن القلق، ومن ذلك التاريخ وعبر عقود من الزمن، والمملكة يتقوى جذعها، وتترسخ جذورها، وتزدهر أغصانها، وتزداد وحدةً وتلاحماً. ولِمَ لا، وقد توالت على حكم هذه البلاد قادة نبعوا من رحم الوطن، ومن نسيج المجتمع، يداوون الجريح، ويواسون المصاب، ويسدون فاقة المحتاج، ويشاطرون أبناء الوطن أفراحهم وأتراحهم.
وبحنكة وحكمة وبعد نظر الملوك أبناء المؤسس الذين تعاقبوا على قيادة هذا الوطن المعطاء، استتب الأمن، واستقر الاقتصاد، وباتت المملكة واحة أمن وأمان ورخاء وازدهار، في الوقت الذي شهدت فيه الكثير من دول العالم لاسيما المجاورة، اضطرابات وحروبًا، سفكت فيها دماء الأبرياء، وانعدم الأمن، وانهار الاقتصاد، ولم يعد الكثير قادرًا على تأمين قوت يومه أو آمناً في سربه، وباتت المملكة أمام تحديات داخلية وخارجية لم يسبق لها مثيل، يقتضي التصدي لها القوة والحزم، والتطوير والتحديث والإصلاح في كل مناحي الحياة، والحمد لله لطف الله بالبلاد والعباد وقيض الله لها سلمان العزم والإدارة، مستعيناً بالله ثم بولي عهده وساعده الأيمن محمد الملهم المبدع، قيادة مزجت ما بين حكمة ودراية وخبرة الكبار، وحيوية وهمة وطموح الشباب الذي يعانق السماء. إذاً لا غرابة أن نجد اليوم المملكة على مسار أكثر ثباتاً واستقراراً، وأقوى من أي وقت مضى في مواجهة الأزمات والصدمات، وليس أدل على ذلك من تعافي الاقتصاد السعودي من جائحة الكورونا في وقت مبكر. استغلت الحكومة البنية التحتية لتقنية الاتصالات والبيانات التي شيدتها في السنوات الأولى من رؤية المملكة 2030 في تتبع حالات الكورونا ومحاصرتها، وفي تقديم الخدمات وتطبيق الإجراءات الاستباقية والتدابير الاحترازية والعمل عن بعد. سبقت المملكة الكثير من الدول المتقدمة في السيطرة على هذا الوباء والحد من آثاره على الوطن والمواطن، فاحتلت المملكة المرتبة الأولى عالمياً في استجابة رواد الأعمال لتبعات الجائحة، والمرتبة (20) عالمياً في التعامل مع هذه الجائحة من بين (105) في عام 2021م، بل قادت المملكة دول العالم في مواجهة هذا الوباء، عندما عقدت اجتماعاً استثنائياً لمجموعة الـ(20) في شهر مارس لعام 2020م، لتنسيق الجهود الدولية، لمكافحة تفشي الجائحة والحد من تداعياتها على البشرية جمعاء. وقد تمكنت المملكة بسياستها الرزينة في إقناع دول المجموعة بالتعهد في شهر يونيه لعام 2020م، بدفع مساعدات قيمتها (21) مليار دولار لمكافحة فيروس الكورونا. وأعقب ذلك ترؤس المملكة للدورة الخامسة عشرة لاجتماعات قادة دول المجموعة التي انعقدت في نوفمبر 2020م، وكان محور اللقاء مكافحة الجائحة. وجاءت المملكة من أوائل الدول التي استوردت اللقاح، إذ حصل أكثر من 67 % على الجرعة الأولى من إجمالي السكان، في حين تجاوز أعداد المحصنين بلكامل 51 % من حجم السكان حتى تاريخه.
ونتيجة لتلك الجهود المضنية والموفقة، انخفضت إصابات الكورونا بالمملكة التي بلغت ذروتها في 18 يونيه 2020م (حوالي 5000 إصابة) إلى أقل من (100) إصابة يومياً في الوقت الحاضر. ومع انحسار الجائحة محلياً ودولياً، تحسن أداء مختلف القطاعات الاقتصادية، فعاد الاقتصاد إلى النمو الإيجابي في النصف الأول من هذا العام، بعد انكماش في عام 2020م. كذلك العجز في موازنة الدولة لم يتجاوز (12) مليار ريال في النصف الأول من هذا العام، في حين أن العجز المقدر لكامل عام 2021م حوالي (141) مليار ريال، مما جعل وكالة التصنيف الائتماني (فيتش) تصنف المملكة عند معدل (A) مع تعديل النظرة المستقبلية من سلبية إلى مستقرة. بالإضافة إلى ذلك، سجلت المملكة مراتب عليا في بعض المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية، فعلى سيل المثال، حققت المملكة في عام 2021م المركز الأول عالمياً في سرعة الإنترنت من الجيل الخامس، والمرتبة (5) عالمياً ما بين (140) دولة في مؤشر سرعة نطاق الإنترنت المتنقل، متجاوزة بذلك بعض الدول المتقدمة في الاتصالات وتقنية المعلومات. وفي حقل الاستثمار، أصبحت المملكة بيئة استثمارية جاذبة لرأس المال الأجنبي، حيث زادت تراخيص الاستثمار الأجنبي خلال النصف الأول من هذا العام، مقارنة بالنصف الأول من العام الماضي بحوالي 108 %.
نشهد على الساحة المحلية تحسناً ملحوظاً في أهداف ومستهدفات رؤية المملكة 2030، كانخفاض معدلات البطالة، وارتفاع معدلات تملك المواطنين للسكن، وزيادة مساهمة المرأة في سوق العمل، وتنوع القاعدة الإنتاجية ومصادر الدخل. ومنذ اعتماد الرؤية في 25 إبريل لعام 2016م، ونحن نعيش مرحلة تحديث وتطوير وإصلاحات تكاد لا تنقطع. فقبل أيام تباشر الشعب السعودي بإعلان سمو سيدي ولي العهد -حفظه الله- عن انطلاقة برنامج تنمية القدرات البشرية أحد برامج الرؤية، والذي يحمل معه (89) مبادرة، لتحقيق (16) هدفاً إستراتيجاً، تنصب في تعزيز تنافسية المواطنين محلياً وعالمياً، وتطوير منظومة التعليم، وإعداد أبناء الوطن لسوق العمل الحالي والمستقبلي، وإتاحة فرصة التعلم مدى الحياة منذ مرحلة الطفولة المبكرة. فالعنصر البشري هو وسيلة التنمية وغايتها، ناهيك عن القول أن العنصر البشري المتعلم والمؤهل والمدرب والقادر على الإبداع والابتكار، هو أساس وركيزة تقدم الأمم والحضارات. وبهذا البرنامج الواعد، نحن متفائلون أكثر بانطلاقة قوية لرؤية المملكة 2030، التي جاءت لخلق اقتصاد متين ومستدام، قادر على نقل بلادنا من دائرة الدول النامية إلى مصاف الدول المتقدمة بحلول عام 2030.
وفي ضوء هذه التطورات والإصلاحات، حققت المملكة في عام حافل بالعمل الدؤوب والمثابرة إنجازات في مختلف المجالات والميادين، واقتربنا أكثر فأكثر نحو تنمية مستدامة ومتوازنة وشاملة، يجني ثمارها المواطن أياً كان وأينما كان. لذا فإنه يحق للمواطن أن يحتفل بيومه الوطني، ويتباهى ويتفاخر بقيادته، غايتها توفير حياة معيشية كريمة للمواطن، يسودها الأمن والأمان. ختاماً، أسأل المولى عز وجل أن يحفظ قيادتنا وولاة أمرنا من كل سوء، وأن يديم على وطننا الغالي نعمه التي لا تحصى، وكل عام ووطننا في عز وشموخ وسؤدد، بإذن الله.
** **
- نائب وزير الداخلية سابقاً وعضو مجلس إدارة جمعية الاقتصاد السعودية